news-details
الإعجاز و العلم

(عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا *إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ...) (الجن: 26، 27) ج1

 (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا *إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ...) (الجن: 26، 27) ج1

من أسرار القرآن

مقالات جريدة الأهرام المصرية

                   بقلم الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار

 

هذا النص القرآني الكريم جاء في ختام سورة "الجن"، وهي سورة مكية، وآياتها ثمان وعشرون (28) بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالإخبار عن استماع نفر من الجن لتلاوة من القرآن الكريم وتأثرهم بها، وإيمانهم بما جاء فيها من حق، وبرب العالمين،وتنزيهه -تعالى- عن الشريك والشبيه، والمنازع والصاحبة والولد، وإيمانهم بحتمية البعث، والحساب، والجزاء، والجنة والنار، وبالخلود في الحياة القادمة خلودًا أبديًّا، ودعوة أقوامهم إلى الإيمان بالإسلام العظيم الذي لا يرتضي ربنا -تبارك وتعالى- من عباده دينًا سواه. وعن سبب نزول هذه السورة المباركة يروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن ولا رآهم". انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، أرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: "مالكم؟". قالوا: "حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب". قالوا: "ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء". فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن أنصتوا له، ثم قالوا: "هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء". وحين رجعوا إلى قومهم قالوا: (... إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدإِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) [الجن: 1، 2]. وأنزل الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ أُوحِي إِلَي أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الجِنِّ...) "وإنما أوحي إليه قول الجن" (أخرجه من أئمة الحديث كلٌ من البيهقي والبخاري ومسلم).

ويدور المحور الرئيسلسورة "الجن" حول العقيدة الإسلامية، شأنها في ذلك شأن كل السور المكية، وتبدأ بقول ربنا -تبارك وتعالى- موجهًا الخطاب إلى خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ أُوحِي إِلَي أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الجن: 1-5].

وفي هذه الآيات من الإنباء بحقيقة عالم الجن ما يحسم قضيتهم التي كانت -ولا تزال- تتردد بين الإغراق في الخيال والوهم الذي لا أساس له، وبين الإنكار التام لوجود هذا العالم الغيبي عنا، وتقرر هذه السورة المباركة أن الجن خلق عاقل مكلَّف، محاسب ذو إرادة حرة، قابل للهداية والضلال، وأن منهم المؤمنين والكافرين،وأن نفرًا منهم استمعوا للقرآن الكريم فتأثروا بروعة بيانه،وإحكام نظمه، ودقة محتواه، فآمنوا به فور استماعهم إليه، ودعوا قومهم إلى الإيمان به وببعثة النبي الخاتم الذي تلقاه، ونفوا عن أنفسهم الوقوع في وحل الشرك، وفي جريمة ادعاء الصاحبة والولد لله -تعالى- وهو المنزه عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله.كما اعترفوا بأن هذا هو قول السفهاء منهم، وعلى رأسهم إبليس اللعين،الذي كان يصرفهم عن الحق، ويغويهم بالشرك، ويوقعهم في وحل الادعاء الباطل بالصاحبة والولد لله - تعالى - وهو المنزه عن ذلك تنزيهًا قاطعًا. وقالوا بأنهم حسبوا أن كفار الجن والإنس الذين ادعوا على الله -تعالى- بهذا الادعاء الباطل أنهم لا يكذبون،فصدقوهم حتى استمعوا إلى القرآن الكريم فعلموا بطلان دعواهم، فكفروا بها بعد أن كانوا قد وقعوا في وحلها، وفي قولهم هذا اعتذار منهم واستغفار عما كانوا قد وقعوا فيه من غواية الشياطين.

وهذا الاعتراف من صالحي الجن بالعديد من ركائز العقيدة الإسلامية التي أنكرها كفار قريش -ولا يزال ينكرها السواد الأغلب من أهل الأرض الذين وقعوا في وحل الضلال والكفروالانحراف والشرك- هو اعتراف من عالم آخر، ينفي عن الله -تعالى- دعاوى الكفر والشرك بالله، كما ينفي عن خاتم رسل الله أنه كان يتلقى القرآن الكريم من الجن، فتأتي شهادة هذا الخلق الغيبي عنا بنفي ذلك، والإقرار بأنهم لم يكونوا يعلمون شيئًا من كتاب الله المجيد إلا بعد أن سمعوه من تلاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهزهم ما سمعوه من الأعماق.

وقد كان من العرب من يؤمن بأن للجن سلطانًا على الأرض، وأنهم يعلمون الغيب، فتجب الاستعانة بهم كما أوهمهم الشيطان، وأنه كان منهم من عبد الجن وادعى بالباطل أن بينهم وبين الله نسبًا، وزعم له -سبحانه وتعالى- زوج من الجن تلد له الملائكة، وكله من نسيج وخيال الشيطان، فجاءت هذه السورة الكريمة نافية لكل هذه الأوهام الكاذبة على لسان نفر من مؤمني الجن أنفسهم.ويلي ذلك القطع الجازم قطع آخر بأن الجن لا يملكون نفع الإنس إذ يلوذون بهم، بل يرهقونهم ويستعبدونهم ويذلونهم، وكذلك الإنس لا يزيدون الجن باللجوء إليهم إلا طغيانًا وسفهًا وجراءة عليهم، ووسوسة إليهم باستحلال محارم الله -تعالى-؛ لأن أصل "الرَّهَق" هو غشيان المحظور، والمعنى أن هذا النفر من الجن لما سمعوا تلاوة القرآن الكريم أيقنوا بخطأ الإنس في تعوذهم بالجن، وخطأ الجن في الطغيان والإثم بهذا التعوذ.
وتقرر الآيات اعتراف مؤمني الجن لأقوامهم بأن كفار الإنس ظنوا -كما ظن كفار الجن- بأنه لن يبعث أحد بعد الموت، وفي ذلك تقول: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُون بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) [الجن: 6، 7].
وتنتقل الآيات بعد ذلك إلى تسجيل حديث الجن -كما أدركوه- من أن حدثًا عظيمًا قد تم على الأرض، وتردد صداه في جنبات الكون كله حتى يحرموا من التنصت على أخبار السماء حرمانًا أبديًّا، وهم لا يدرون ماذا أريد لأهل الأرض من ذلك، واعترفوا بأنهم فِرَق مختلفة، وأنهم لا يُعجزون الله -تعالى- في الأرض ولا في السماء، وأنهم آمنوا بهدي القرآن الكريم، وعلموا جزاء كلٍّ من المؤمن والكافر، فتقول على لسانهم: 
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُون وَمِنَّا دُون ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًّا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا المُسْلِمُون وَمِنَّا القَاسِطُون فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا القَاسِطُون فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) [الجن: 15:8].

 

وينتقل الخطاب في هذه السورة الكريمة إلى الحديث عن أهل مكة وموقفهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورده عليهم بأنه يدعو ربه ولا يشرك به أحدًا، وينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص الله -تعالى- وحده من مثل ملك الضر والنفع، ومنح الحماية والدعاية، وأن رسالته هي التبليغ عن الله -تعالى- فقط، فيقول ربنا -تبارك وتعالى-: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا * وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُون عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِين فِيهَا أَبَدًا) [الجن: 23:16].

وتستمر الآيات في استعراض حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كفار أهل مكة بأنهم سيعلمون حين يرون ما يوعدون في الدنيا وفي الآخرة أي الفريقين هو الضعيف المخذول القليل العدد والهزيل الذليل.
(حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُون فَسَيَعْلَمُون مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُون أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) [الجن: 24:25].

وتختتم سورة "الجن" بإحدى ركائز العقيدة الإسلامية، وهي الإيمان بالغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله -تعالى-، فهو وحده عالم الغيب الذي لا يطلع على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول، فيطلعه على ما يأذن به من الغيب الذي يكشفه له بقدر ليعينه به على تبليغ دعوة الله إلى قومه أو إلى الناس جميعًا، فما كان يوحي به إليهم إلا غيبًا من الغيوب المطلقة التي لا يعلمها إلا الله -تعالى- الذي يحيط كل واحد من هؤلاء الرسل بالملائكة الحفظة الذين يحفظونه من وساوس الشيطان، ومن النسيان، ومن لحظات الضعف التي قد تعتري أيًا من البشر، في رقابة كاملة دائمة من الله الذي يعلم كل شيء، ولكن لكي يكون الرقيب شاهدًا عليهم، فما من شيء في الوجود كله إلا داخل في علم الله -تعالى- إحصاءً وعدًّا، وفى ذلك يقول ربنا -تبارك وتعالى-: 

(عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَين يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 28:26].

من ركائز العقيدة في سورة "الجن":

(1) الإيمان بوجود حقيقي لعالم الجن، وهو عالم غير مرئي لنا من الخلق العقلاء المكلفين ذوي الإرادة الحرة، ولذلك فهم محاسبون مثل عالم الإنس، ومنهم المؤمن والكافر، ومؤمنوهم قائمون على العقائد الإسلامية نفسها التي تكاملت في بعثة الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم-، والتي جحدها الكفار والمشركون عبر التاريخ.

(2) أن المؤمن من الجن كالمؤمن من الإنس تمامًا في تسليمه بحقيقة الألوهية، والربوبية، والخالقية، والوحدانية المطلقة لله -تعالى- فوق جميع خلقه، ولذلك فهو ينزه الله -تعالى- عن الشريك والشبيه والمنازع، والصاحبة، والولد، ويستنكر هذا الادعاء الكاذب من مشركي كلٍّ من الإنس والجن.

(3) أن الناس منهيون عن الاستعانة بالجن؛ لأن ذلك لن يزيد أيًا منهما إلا طغيانًا وسفهًا، وجراءة على غشيان كل محظور ومحرم من الأمور، أو خوفًا من سلطان موهوم ومزعوم لا وجود له في الحقيقة.

(4) أن الإيمان بالبعث والحساب والجزاء ركيزة من ركائز العقيدة الإسلامية ينكرها كفار الجن كما يتنكر لها كافر الإنس، وهؤلاء سوف يكونون حطب جهنم.

(5) أن شياطين الجن الذين كانوا يسترقون السمع على أهل السماء من الملائكة قد حرموا ذلك منذ بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، وأنهم لا يُعجزون الله -تعالى- أبدًا في الأرض ولا في السماء.

(6) أن الاستقامة على منهج الله -تعالى- من أسباب التوسعة في الرزق، والإعراض عن ذكره -سبحانه وتعالى- من موجبات العذاب في الدنيا والآخرة، كما أن السعة في الرزق أو التضييق فيه قد تكون أحيانًا من أسباب الابتلاء والاختبار والفتنة.

(7) أن الأصل في المساجد أن تكون خالصة لله -تعالى-، فلا تجوز نسبتها إلى غيره.

(8) أن رسالة الأنبياء والمرسلين جميعًا هي التبليغ عن الله -تعالى-، والنهي عن الكفر أو الشرك، والاعتراف بالعبودية الكاملة والخاضعة لجلاله، والتبشير بثوابه والتحذير من عذابه.

(9) أن الكفار والمشركين لن يغلبوا عباد الله المؤمنين أبدًا مهما بلغ عددهم وعدتهم.

(10) أن الرسل مأمورون بالتجرد من كل شيء إلا الإبلاغ عن الله -تعالى- بما أمر، وهم محاطون برقابة إلهية دقيقة تحفظهم، وتحفظ عنهم.

(11) أن الله -تعالى- قد اختص وحده الغيب المطلق الذي لا يطلع عليه أحدًا من خلقه إلا من ارتضى من الرسل.

من الإشارات الكونية في سورة "الجن":

(1) التأكيد على أن الاستعانة بالجن لا تزيد الإنسان إلا رهقًا، وهو الطغيان والسَّفَه، والوقوع في الآثام مما حَرَّم الله -تعالى- وغشيان المحظور مما منع الولوج فيه أو الاقتراب منه، وهو ما تؤكده كل التجارب البشرية.

(2) الإشارة إلى أن الشهب -بالإضافة إلى دورها الكوني- تقوم بدور الرصد لمن يحاول استراق السمع من الجن، وهو ما لا تستطيع العلوم المكتسبة إثباته.

(3) الجزم بأن الله -تعالى- وحده هو عالم الغيب الذي لا يُظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول.

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها، ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم إن شاء الله -تعالى- على النقطة الثالثة من القائمة السابقة، والتي تؤكد على أن الكون مليء بالغيوب المطلقة التي لا يعلمها إلا رب العالمين،ولا يُطْلِع عليها أحدًا من خلقه إلا من ارتضى من الأنبياء والمرسلين الذين يظهر كل واحد منهم على ما شاء من غيب؛ ليكون إخباره من الدلالات على صدق نبوته.