news-details
الإعجاز و التشريع

من أسرار القرآن (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) [آل عمران: ‏97]

من أسرار القرآن

مقالات جريدة الأهرام المصرية

(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) [آل عمران: ‏97]

بقلم الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار

 

شاءت إرادة الله -تعالى- أن يبقى في الحرم المكي عدد من الشواهد الحسية الدالة على كرامة المكان،‏ تدعيما لما أنزل في محكم كتابه من أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس،‏ بمعني أن أحدا من الناس لم يضعه في الأرض،‏ وإنما وضعته الملائكة تهيئة لمقدم أبينا آدم -عليه السلام-،‏ ولذا سمي بالبيت العتيق،‏ وتأكيدا لما نطق به المصطفى-صلى الله عليه وسلم- من أن أرض مكة المكرمة وحرمها الشريف هي أقدم بقاع اليابسة على الإطلاق،‏ وأن منها دحيت الأرض‏.

‏ومن هذه الشواهد الحسية ‏"مقام إبراهيم‏"-بفتح ميم كلمة مقام‏-، وقال بعض المفسرين في المقصود بهذا التعبير أنه تلك الصخرة التي استعان بها سيدنا إبراهيم -على نبينا وعليه السلام- للوقوف فوقها،‏ وهو يرفع القواعد من البيت العتيق،‏ وولده إسماعيل -عليه السلام- يناوله الحجارة حتى تم البناء،‏ وقال البعض الآخر هو أثر قدمي نبي الله إبراهيم في تلك الصخرة،‏ وقالت مجموعة ثالثة من المفسرين أن المقصود بتعبير‏"مقام إبراهيم‏"-بضم الميم‏-، هو الحرم المكي على اتساعه،‏ وأن الآيات البينات التي فيه منها مقام إبراهيم، والمشاعر المتعددة،‏ واستدلوا على ذلك بقول الحق -تبارك وتعالى‏-:‏ "...‏ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ‏..‏." أي من دخل إلى الحرم المكي الذي تقدر مساحته بنحو ستمائة كيلومتر مربع على هيئة سلسلة من الأودية والمنخفضات تمتد من مكة المكرمة غربا إلى ساحة عرفات شرقا،‏ مرورا بكل من وادي مِنى ووادي المزدلفة‏.

وحدود هذا الحرم حددها جبريل -عليه السلام- لأبينا آدم عليه السلام،ثم لكل نبي من أنبياء الله من بعده -صلي الله وسلم وبارك عليهم أجمعين-، وهذه الحدود منصوب عليها أعلام في جهات خمس تعتبر المداخل الرئيسة للحرم المكي‏، وهذه الأعلام على هيئة أحجار مرتفعة قدر متر واحد،‏ منصوبة على جانبي كل طريق من الطرق المؤدية إلى الحرم المكي‏، ‏ويمكن إيجاز الدلائل الحسية والشرعية -التي أمكننا التعرف عليها- على كرامة الحرم المكي -ولعلها المقصودة بالآيات البينات في النص القرآني الكريم الذي نحن بصدده- في النقاط التالية‏:‏

أولا: من الدلائل الحسية على كرامة الحرم المكي الشريف‏:‏
‏1-‏ كونه أقدم بناء على وجه الأرض، ومن هنا جاءت تسميته بالبيت العتيق‏.‏
‏2-‏ توسطه من اليابسة التي تتوزع حول هذا الحرم توزعا منتظما كما أثبت ذلك الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين -رحمه الله- في دراسته العلمية الجادة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسة في العالم،‏ وذلك في بحثه المنشور سنة‏1395‏ هـ-‏1975‏ م في العدد الثاني من المجلد الأول لمجلة البحوث الإسلامية الصادرة بمدينة الرياض‏.‏
‏3-‏ انعدام الانحراف المغناطيسي عند خط طول مكة المكرمة ‏(390817‏ شرقا‏)، كما أثبت ذلك الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين -رحمه الله- في بحثه الذي سبقت الإشارة إليه‏.‏
‏4-‏ وجود الأركان الأصلية للكعبة المشرفة في الاتجاهات الأربعة الأصلية تماما‏.‏
‏5-‏ تفجر عين زمزم وسط صخور نارية ومتحولة مصمطة وفيضانها لنحو أربعة آلاف سنة‏(‏منذ سنة‏1824‏ ق‏.‏م‏.‏ تقريبا‏)‏.
‏6-‏ التحقق من الطبيعة النيزكية للحجر الأسود مما يثبت أنه من أحجار السماء،‏ كما قرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف‏.‏
‏7-‏ وجود طبعتي قدمي سيدنا إبراهيم -عليه السلام- غائرتين في الصخرة التي كان يقف عليها،‏ وهي صخرة شديدة القساوة والصلابة‏.‏

ثانيا‏: من الأدلة الشرعية على كرامة الحرم المكي الشريف‏:‏
‏1-‏ اختياره مكانا لبناء أول بيت وضع للناس (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96‏).
2-كان أول من طاف به الملائكة لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
3- كان أول بيت عُبد الله-تعالى-فيه على سطح الأرض.
‏4-‏ اختيار الكعبة المشرفة قبلة للعابدين،‏ وفي ذلك يقول ربنا ‏-‏تبارك وتعالى‏-:‏
(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (‏البقرة‏:144)‏.
‏5-‏ أنها المدينة الوحيدة التي ورد ذكرها وذكر حرمها الشريف في كتاب الله سبعة وعشرين مرة‏، وسميت باسمها سورة من سور القرآن الكريم هي سورة ‏"‏البلد‏".‏
‏6-‏ أنها المدينة الوحيدة التي أقسم بها ربنا -تبارك وتعالى- في محكم كتابه -وهو تعالى الغني عن القسم- فقال -عز من قائل-‏:‏(لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ) (البلد‏:1)‏، وقال‏:‏ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ)(التين‏: 1‏-‏3)، ‏والبلد هنا هي مكة المكرمة وحرمها الشريف الذي حرمه الله -تعالى- يوم خلق السماوات والأرض،‏ وجعله حرما آمنا‏، ونفي القسم في اللغة العربية توكيد له،‏ وتعظيم للأمر المقسم به، ‏ومن هنا كان الحج حقا لله -تعالى- على كل مسلم،‏ عاقل،‏ بالغ،‏ حر،‏ مستطيع،‏ وكانت العمرة عبادة من أجل العبادات،‏ ومن أعظم القربات إلى الله -تعالى- وفي ذلك يقول المصطفى-صلى الله عليه وسلم‏-:"‏الحجاج والعمار وفد الله،‏ إن دعوه أجابهم،‏ وإن استغفروه غفر لهم‏"(‏رواه الإمام ابن ماجه في سننه)ويقول‏ -صلوات الله وسلامه عليه‏-:"إن الله -تعالى- ينزل على أهل هذا المسجد -مسجد مكة المكرمة- في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة‏:‏ ستين للطائفين،‏ وأربعين للمصلين،‏ وعشرين للناظرين‏"(‏رواه الطبراني في المعجم الكبير‏)‏.
‏7-‏ تؤكد أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خصوصية الحرم المكي، ومنها أن أرضه هي أول ما خلق من اليابسة،‏ وأنها تحت البيت المعمور مباشرة،‏ وأنها في مركز الكون،‏ وأنها قد حرمها الله -تعالى- يوم خلق السماوات والأرض‏، وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعاني كثيرة، نختار منها ما يلي‏:‏
‏*‏ "كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض".(‏ الهروي‏/‏ الزمخشري‏)‏
‏*‏ "دحيت الأرض من مكة،‏ فمدها الله -تعالى- من تحتها فسميت أم القرى"‏.(‏ مسند الإمام أحمد ‏305/4، وموارد الظمآن لابن حبان‏)‏.

       وفي شرح هذا الحديث الشريف ذكر كل من ابن عباس وابن قتيبة -رضي الله عنهما- أن مكة المكرمة سميت باسم ‏"أم القرى‏" لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض،‏ والدراسات الحديثة تؤكد ذلك التفسير وتدعمه،‏ كما تفسر قول ربنا -تبارك وتعالى- مخاطبا خاتم أنبيائه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (الأنعام‏: 92)‏، وتفسير قوله –تعالى-‏:‏ في خطاب مشابه‏:(‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ...)(‏الشورى‏:7)‏، وإذا جمعت هاتان الآيتان الكريمتان مع قول الحق -تبارك وتعالى- مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم- قائلا له‏:‏(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (سبأ‏:28)‏لاتَّضح أن المقصود بقول ربنا ‏-تبارك وتعالى‏-:(... لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ...)هم أهل الأرض جميعا‏.‏
يروي الإمام مجاهد عن رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- قوله‏:"إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأرضين السبع‏"(‏أخرجه الأزرقي في أخبار مكة‏/355).‏

       وقد أثبتت الدراسات الحديثة وجود سبعة نطق متمايزة في أرضنا،‏ يغلف الخارج منها الداخل،‏ وأن الكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولي،‏ ومن دونها ست أرضين، ومن حلولها سبع سماوات متطابقة،‏ يغلف الخارج منها الداخل كما أخبرنا القرآن الكريم الذي يؤكد على مركزية الأرض من الكون بمقابلتها بالسماء في عشرات الآيات، مع ضآلة حجم الأرض إذا قورن بضخامة حجم السماء، وبالتأكيد على البينية الفاصلة للأرض عن السماوات في عشرين آية قرآنية كريمة‏، وبالإشارة إلى جمع أقطار السماوات والأرض في سورة الرحمن ‏(‏الآية رقم‏33)، ولذلك قال المصطفى-صلى الله عليه وسلم‏-:‏"البيت المعمور منا مكة"‏ (‏أخبار مكة للأزرقي‏)، و(مناء‏)‏ أو‏(‏منا‏)‏ معناها قصده وفي حذاه،‏ ووصف خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- البيت المعمور في حديث آخر بقوله الشريف‏:"‏البيت المعمور هو بيت في السماء السابعة على حيال الكعبة تماما حتى لو خر لخر فوقها،‏ يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرج آخرهم لا يعودون‏"(‏ذكره ابن الأثير‏)، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة‏"(‏رواه البيهقي في شعب الإيمان‏)، ويؤكد خاتم الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين- على مركزية مكة المكرمة من الكون بقوله الشريف‏:"بايعوا أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء" ‏(‏أخبار مكة‏).‏

حرمة مكة المكرمة في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏
"إن مكة حرمها الله،‏ ولم يحرمها الناس"‏(‏صحيح البخاري‏722)‏.
"‏إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض،‏ لا يعضد شوكه،‏ ولا ينفر صيده،‏ ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها" ‏(‏رواه كل من الإمامين البخاري وأحمد‏).‏
"‏إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض،‏ فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة‏"(‏مصنف عبد الرازق‏140/5)‏‏، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما خطب به الناس يوم الفتح‏:‏
‏"إن مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض،‏ لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما،‏ ولا يعضد بها شجرا،‏ فإن أحد ترخص في قتال فيها،‏ فقولوا‏:‏ إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم،‏ وإنما أذن له ساعة من نهار،‏ وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس"(‏صحيح البخاري ‏1/723)، وختم -صلى الله عليه وسلم- هذه التوصيات على حرمة مكة المكرمة بقوله الشريف‏:‏"لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها،‏ فإذا ضيعوا ذلك هلكوا‏"(‏أخرجه كل من الإمامين أحمد وابن ماجه‏)،ويقول ربنا -تبارك وتعالى- على لسان خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم‏-:‏(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ)(النمل‏:91)‏‏ ويقول -عز من قائل‏-:‏‏(...‏ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ) (‏البقرة‏: 191)‏‏ وفي هذا المعنى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏-:"‏لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة‏" (‏صحيح مسلم‏)،ومن هنا كان تغليظ الدية على مرتكب جناية القتل في الحرم المكي كله،‏ وتغليظ العقوبة على المسيئين فيه انطلاقا من قول ربنا -تبارك وتعالى‏-:‏(‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (‏الحج‏:25)‏
‏8-‏ تحريم دخول المشركين إلى الحرم المكي انصياعا لأمر ربنا -تبارك وتعالى- الذي يقول فيه‏:‏‏(...‏ إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ...‏) (‏التوبة‏:28)‏.
‏9-‏ تحريم كل من الحرمين المكي والمدني على الدجال -لعنه الله- وذلك انطلاقا من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏-:"‏ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة"(‏متفق عليه‏).
‏10-‏ وجوب الإحرام لكل من الحاج والمعتمر قبل الدخول إلى مكة المكرمة،‏ وقبل تجاوز مواقيتها،‏ وجعل تحية الكعبة الطواف خلافا لتحية بقية المساجد،‏ وجعل الدعاء في الحرم المكي مستجابا بإذن الله -تعالى- وتفضيل صلاة العيد في هذا الحرم الشريف‏.‏
‏11-‏ مضاعفة أجر الصلاة في الحرم المكي إلى مائة ألف ضعف،‏ وكذلك مضاعفة أجر غير ذلك من العبادات والأعمال الصالحات،‏ وفي ذلك يقول المصطفى-صلى الله عليه وسلم-‏:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام،‏ فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره،‏ وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة" ‏(‏رواه كل من الأئمة مسلم،‏ وأحمد،‏ وابن ماجه‏)‏
‏12-‏ أثبتت أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبانا آدم -عليه السلام- وهو أول الأنبياء، أُنزل في مكة المكرمة،‏ وأن جميع الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم أجمعين قد حجوا البيت حتى يؤكد لنا ربنا ‏-‏تبارك وتعالى‏-‏ وحدة الرسالة السماوية ووحدة النبوة‏، وذكر كثير من الرواة أن نبي الله إسماعيل -عليه السلام- وأمه -رضي الله عنها- مدفونان بحجر إسماعيل المعروف باسم الحطيم‏.‏
وروي كذلك أن عددا من أنبياء الله مدفونون في صحن الكعبة،‏ وفي ذلك يروى عن المصطفى-صلى الله عليه وسلم- أقواله الشريفة التالية‏:‏
- "‏ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاؤوا حجاجا فقبروا هناك‏"(‏ذكره القرطبي في تفسيره)‏.‏
‏- "كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة،‏ فيعبد الله -تعالى- ومن معه حتى يموت،‏ فمات فيها نوح،‏ وهود،‏ وصالح،‏ وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر"‏ (‏أخبار مكة‏).‏
- "‏حج خمسة وسبعون نبيا كلهم قد طاف بهذا البيت وصلى في مسجد منى‏"(‏أخبار مكة‏).‏
- "‏في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا"(‏رواه الهيثمي‏).‏
‏13-‏أثبتت أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قداسة مافي الحرم المكي من أشياء، ومن ذلك أقواله الشريفة‏:‏
- "الحجر الأسود نزل به ملك من السماء‏"(‏الهندي‏).
- "الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة"(أخرجه كل من الأئمة الترمذي،‏ وأحمد،‏ والحاكم،‏ وابن حبان‏)‏،وفي رواية للبيهقي أضاف قوله ‏-‏صلى الله عليه وسلم‏-:‏
 "ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي"‏.‏
"نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم‏"(‏رواه كل من الإمامين أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما‏).‏

ثالثا: من الأدلة التاريخية على كرامة الحرم المكي الشريف‏:‏

       ذُكر اسم "وادي بكة"‏ في أحد المزامير المنسوبة إلى داود -عليه السلام- في العهد القديم ‏(‏المزمور‏6/84)، وذلك في العديد من اللغات الأجنبية، ولكن في الترجمة إلى اللغة العربية ‏(‏نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ص‏892)‏ تم تحريف ‏(‏وادي بكة‏)‏ إلى ‏(‏وادي البكاء‏)‏ كما تم تحريف التعبير ‏(‏حج بيتك‏)‏ إلى ‏(‏طرق بيتك‏)‏ أي بيت الله،‏ فجاءت الترجمة على النحو التالي‏:‏ "طوبى لأناس عزهم بك،‏ طرق بيتك في قلوبهم،‏ عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا‏.‏ أيضا ببركات يغطون موره‏..." ‏والخلاف بين النصين العربي والإنجليزي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار،‏ والقصد من التحريف لا يحتاج إلى تعليق‏.

‏هذه بعض الآيات البينات الشاهدة للحرم المكي بالكرامة والتشريف،‏ وقد يكتشف القادمون من بعدنا من تلك الشواهد الحسية ما لا نعرفه نحن اليوم،‏ ولذلك قال ربنا -تبارك وتعالى- عن الحرم المكي: "فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا…".وإن كانت الشواهد الشرعية على كرامة الحرم المكي قد أنزلت من قبل ألف وأربعمائة سنة فإن الشواهد الحسية على تلك الكرامة لم تعرف إلا منذ عقود قليلة، مما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله،‏ وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية -ولم يقطعه لرسالة سابقة أبدا- وحفظه في نفس لغة وحيه -اللغة العربية- على مدى الأربعة عشر قرنا الماضية دون إضافة حرف واحد أو حذف حرف واحد،‏ وتعهد ربنا -تبارك وتعالى- بهذا الحفظ تعهدا مطلقا إلى قيام الساعة حتى يبقى القرآن الكريم شاهدا على الخلق أجمعين إلى يوم الدين‏،‏ فالحمد لله على نعمة الإسلام،‏ والحمد لله على نعمة القرآن،‏ والحمد لله على بعثة خير الأنام سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين-‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏