"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ..."
(البقرة: 185)
من أسرار القرآن
مقالات جريدة الأهرام المصرية
بقلم الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار
في هذه الآية الكريمة يشرف ربنا -تبارك وتعالى- شهر رمضان باختياره لإنزال هدايته للبشرية، ولذلك جعل صيامه فريضة على كل مسلم بالغ، عاقل قادر، مقيم، وجعل الليالي العشر الأخيرة منه أفضل ليالي السنة، وجعل أشرفها جميعا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهذا في مقابلة مع الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، التي جعلها ربنا -تبارك وتعالى- أشرف أيام السنة على الإطلاق، وجعل أشرفها جميعا يوم عرفة، والمقصود باليوم هنا هو نهار اليوم، ولذلك قال-تعالى-: ?وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ? (الفجر: 1، 2)، وقال -عز من قائل-:?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ* لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ? (القدر: 1-5).
وفي الآية التي نحن بصددها يقول ربنا -تبارك وتعالى-: ?... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...? وفي ذلك تأكيد على أن الأخذ بالتقويم القمري هو أكثر دقة من التقويم الشمسي الذي يسود في أيامنا الراهنة؛ وذلك لأن القمر هو أقرب أجرام السماء إلى الأرض، ومن ثم فإن حركته بالنسبة لأهل الأرض هي أوضح من حركات أي جرم آخر من أجرام السماء.
ويضاف إلى ذلك أن دورة القمر حول الأرض هي حركة فطرية، لا دخل للإنسان فيها؛ ولذلك تقوم بتعديل نفسها بنفسها في كل شهر قمري، ومن معاني ذلك توزيع الزيادة (الكبس) على الشهور القمرية بشكل طبيعي يحدده ميلاد القمر في مطلع كل شهر قمري، أما توزيع الأيام في الشهور الشمسية فيتم بشكل اصطلاحي حسب اتفاق الناس.
والمدة الزمنية للشهر القمري تقدر في المتوسط بـ (29) يومًا، (12) ساعة، (44) دقيقة، و8,2 ثانية، وتمتد من ميلاد الهلال وغروبه بعد غروب الشمس إلى ميلاده مرة أخرى تحت نفس الظروف،
ويتعين مولد الهلال بخروجه من مرحلة المحاق التي يكون فيها القمر مظلما بسبب وجوده على خط مستقيم مع كل من الأرض والشمس، فيبقى نصفه المنير في مواجهة الشمس، ونصفه المعتم في مواجهة الأرض، وبمجرد خروج القمر عن هذا الوضع يولد الهلال الجديد، وإذا حدث ذلك بعد غروب الشمس مباشرة دخل الشهر القمري الجديد. ويكون الشهر القمري إما (29) يومًا أو (30) يومًا؛ ويحدد ذلك ميلاد القمر، وقد تتوالى الأشهر القمرية الناقصة أو الأشهر الكاملة مرة أو مرتين في السنة، وتقدر المدة الزمنية للشهر الشمسي بـ(30) يومًا، (10) ساعات، (29) دقيقة، 84,3 ثانية، ويتم توزيع الأيام على الأشهر في التقويم الشمسي بحسب ما يراه الناس الذين جعلوا أربعًا من هذه الشهور الشمسية (30) يومًا، وسبعًا منها (31) يومًا، وواحدًا منها (28) يومًا في السنة البسيطة، (29) يومًا في السنة الكبيسة، وهذا إجراء بشري محض؛ ولذلك فهو عرضة للخطأ والصواب.
واليوم في التقويم الإسلامي يبدأ بالليل الذي يليه النهار، ويبدأ الليل فيه من لحظة غروب الشمس وينتهي عند طلوع الفجر الصادق، حين يبدأ النهار الذي ينتهي عند غروب شمس اليوم التالي.
أما في التقويم الوضعي فإن اليوم يبدأ من منتصف الليل إلى منتصف الليل الثاني، فيقع النهار بين ليلتين، ويعتبر سابقا لليل، وهذا مخالف للحقيقة الكونية؛ لأن تبادل الليل والنهار ناشئ عن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، ولأن الأصل في الكون الظلام، ونور النهار نعمة طارئة على هذا الظلام بحزام حول نصف الأرض المواجه للشمس لا يتعدى سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوى سطح البحر.
والسنة القمرية تتكون من اثني عشر شهرا قمريا يقدر زمنها ب (354)يومًا، (8) ساعات، (48) دقيقة، 6,33 ثانية، وتتراوح مدتها بين (354)، (355) يومًا، واليوم الزائد يستوعب في أي شهر من أشهر السنة بحسب دورة القمر حول الأرض دون تدخل من الإنسان.
والسنة الشمسية هي المدة اللازمة للأرض لإتمام دورة كاملة حول الشمس، ومدتها اثني عشر شهرا شمسيا وطولها الزمني يساوي في المتوسط (365) يوما وسطيا، (5) ساعات، (48) دقيقة، (46) ثانية.
وبجبر الكسور تتكون السنة الشمسية من (365) يوما في السنة البسيطة ومن (366) يوما في السنة الكبيسة، ويضاف اليوم الزائد (الكبس) إلى عدد أيام شهر فبراير فيصبح (29) يوما، والكبس هنا كبس اصطلاحي لا علاقة له أبدا مع حركة أي من الأرض أو القمر أو الشمس.
وعلى ذلك يمكن اعتبار السنة في التقويم الإسلامي سنة شمسية/ قمرية، تجددها دورة كاملة للأرض حول الشمس بسرعات مختلفة، وتحدد الشهور فيها دورات القمرالمتتابعة حول الأرض اثنتا عشرة مدة، والفارق سوف يكون إما عشرة أيام أو أحد عشر يوما , ويمكن ضمها إلى العام التالي.
من هنا يكون في إثبات دقة الشهور القمرية على الشهور الشمسية، وفي التزام القرآن الكريم بالأشهر القمرية، وفي تخير شهر رمضان من بينها لإنزال كل رسالات السماء فيه، وخصه بمزيد من التكريم بفرض الصيام فيه، ثم تفضيل الليالي العشر الأخيرة منه فوق باقي ليالي السنة، وتفضيل ليلة القدر من بينها بجعلها خيرا من ألف شهر، كل ذلك مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، ويشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.