"وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ" (النساء: 119)
من أسرار القرآن
مقالات جريدة الأهرام المصرية
بقلم الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار
هــذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النساء، وهي سورة مدنية، وآياتها مائة وستة وسبعون(176) بعد البسملة، وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كلٍّ من سورة البقرة، والأعراف، وآل عمران، وقد سميت السورة بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء، ولذلك يطلق عليها أحيانًا اسم سورة النساء الكبرى في مقابلة مع سورة النساء الصغرى، وهي تسمية تستخدم أحيانًا لسورة الطلاق، ويدور المحور الرئيس للسورة حول قضايا التشريع لكلٍّ من المرأة، والأسرة، والبيت، والمجتمع، والدولة (وعلاقاتها الداخلية والخارجية)، ومن أبرز القضايا التشريعية في هذه السورة المباركة تشريعات الزواج، والمواريث، والعبادات، والجهاد في سبيل الله.
ويأمر ربنا -تبارك وتعالى- في هذه السورة الكريمة بالإحسان في كل شيء، وبالتراحم والتكافل بين الناس، وبالتسامح والتناصح بينهم، وبالأمانة في كل عمل، وبالعدل في كل حكم، وببر الوالدين، وبالإحسان إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين، وبالجهاد بالنفس والمال في سبيل الله، وبدفع المظالم، وبالبعد عن الفواحش والفتن، وبحماية كل ضعيف في المجتمع، مثل الإناث، والعَجَزَة، واليتامى وغيرهم كثير.
وتنبه سورة النساء إلى ضرورة حسن تربية الفرد المسلم، وضرورة مجاهدته من أجل إقامة المجتمع المسلم على أساس من كتاب الله –تعالى- ومن سنة خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أنبياء الله أجمعين- وضرورة المجاهدة من أجل تطهير هذا المجتمع من المخالفات الشرعية، ومن رواسب الجاهلية القديمة والجديدة، حتىتحكمه الضوابط الأخلاقية والسلوكية الصحيحة، والقيم الربانية العالية، والتكاليف الشرعية اللازمة للنهوض بأمانة التبليغ عن الله وعن رسوله حتى يلقى العبد منا ربه -تعالى- وهو راضٍ عنه.
وتقرر سورة النساء وحدانية الخالق -سبحانه وتعالى- بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة، ولا ولد كما تؤكد وحدة رسالة السماء، والأخوة بين الأنبياء، ووحدة الجنس البشري الذي ينتهي نسبه إلى أبوينا آدم وحواء -عليهما من الله السلام- ولذلك يرتبط كل الناس بوشيجة الرحم، وهي وشيجة مقدسة عند رب العالمين لا يتجاوزها إلا معتدٍ أثيم، وعقابه على الله –تعالى- في الدنيا شديد، وفي الآخرة أشد، ومن هنا تدعو سورة النساء إلى احترام هذه الوشيجة التي يقول فيها ربنا -تبارك وتعالى- في مطلع هذه السورة المباركة :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء:1).
وانطلاقًا من هذا الأمر الإلهي تؤكد السورة الكريمة ضرورة قيام المجتمع الإنساني على قاعدة الأسرة التي يحاول الغرب اليوم تدميرها، وعلي إحياء الضمير الإنساني الذي قتلته السلوكيات الغربية الجائرة، وعلى ربط المخلوقين بخالقهم عن طريق الدين الصحيح الذي أنزله الله –تعالى- على فترة من الرسل، وأتمه وأكمله وحفظه في رسالته الخاتمة التي بُعث بها الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم-، وربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم حياة الناس -أفرادًا، وأُسَرًا، ومجتمعات- بهذا الدين الخاتم الذي لا يرتضي ربنا -تبارك و تعالى- من عباده دينًا سواه.
ويأمر ربنا -تبارك وتعالى- في سورة النساء عباده المؤمنين أن يخلصوا ولاءهم لقيادتهم المؤمنة، الخاضعة بالطاعة التامة لله ولرسوله، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله من أجل مقاومة الظلم والقهر والطغيان، ومن أجل إقامة عدل الله في الأرض، ووعد بأعظم الأجر على ذلك، كما أمر بالهجرة في سبيل الله، وعدم الرضوخ لذل الجبابرة من الحكام الجائرين، ووعد المجاهدين الصادقين الصابرين بالفتح المبين.
وتتحدث سورة النساء عن بعض مشاهد الآخرة تحذيرًا للغافلين من أهوالها، وتنادي على أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أنزل الله -تعالى- على خاتم أنبيائه ورسله مصدقًا لما معهم، من قبل أن ينزل بهم سخطه أو أن يَحِلَّ عليهم غضبه وعذابه، أو أن يطردهم من رحمته، وتحذرهم من الشرك بالله فتقول: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا" (النساء:48).
ويتكرر هذا الحكم في نفس السورة بقوله –تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا" (النساء:116).
وعرضت سورة النساء لجانب من طغيان اليهود، وتحديهم لخاتم أنبيائه ورسله -صلىالله عليه وسلم- فتقول موجهة الخطاب إليه: "يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا. وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا. فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا. وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا. فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء:153-161).
وتخاطب السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- ممتدحة القرآن الكريم بقول ربنا -تبارك وتعالى-: "لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" (النساء:166).
وتؤكد ذلك بقوله -عز من قائل-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا" (النساء:174).
كما تمتدح رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين -صلىالله عليه وسلم- بقول ربنا -سبحانه وتعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء:170).
وتدعو سورة النساء إلى عدم المغالاة في الدين، وتختتم باستكمال الضوابط الشرعية لقضية الميراث، والتي بدأت بالآيتين11، 12 وختمت بالآية 176.
من التشريعات الإسلامية في سورة النساء:
(1)الأمر بتقوى الله -تعالى- وعبادته بما أمر، ومداومة استغفاره والتوبة إليه، وطاعة أولي الأمر من المسلمين الصالحين، والرجوع إلى حكم الله -تعالى- وحكم النبي والرسول الخاتم -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- عند الاختلاف في الرأي، وتأمر بمعاداة الشيطان وبعدم اتخاذه وليًّا؛ لأن في ذلك الخسران المبين.
(2)الأمر بالمحافظة على المال العام والخاص، وعدم تسليمه للسفهاء، وبالحرص على مال اليتيم، وعلى حقوق الضعفاء في المجتمع، وعلى أموال الآخرين وحقوقهم، والتحذير من مغبَّة الاعتداء عليها.
(3)تأكيد حقوق الزوجات، والأمر بمعاشرتهن بالمعروف، وبإعطائهن كافة حقوقهن، ومن حقوقهن المهر الذي هو عطية خالصة لهن، وليس لأحد الحق في شيء منه إلا أن تطيب نفس الزوجة بالتنازل عنه أو عن شيء منه، ومن حقوقهن أن لهن على الرجال حق الصون، والرعاية، والقيام بشؤونهن بما أعطى الله -تعالى- الرجال من صفات وقدرات تهيئهم لذلك.
(4) تحديد المحرَّمات من النساء، ووضع الضوابط الصحيحة لاستقامة حياة الأسرة، والقوانين المنظمة لها، والنهي عن تمني أي من المسلم أو المسلمة أن يكون في غير جنسه؛ لأن لكل جنس دورًا ملائمًا لفطرته التي فطره الله –تعالى- عليها،ولاستعداداته التي زوده الله -سبحانه- بها، وبالجنسين معا يكتمل المجتمع، وتستقيم أموره، وتكون استمرارية الجنس البشري إلى ما يشاء الله -تعالى- ولكل فرد نصيب مما اكتسب، وعليه أن يسأل الله العلي القدير من فضله"إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (النساء:32).
(5)الأمر بالإحسان إلى الوالدين، وإلى ذوي القربى واليتامى، وإلي الجار ذي القربى، والجار الجنب، وإلى الصاحب بالجنب، وابن السبيل، وباحترام العهود والمواثيق، وبأداء الأمانات إلى أهلها، وبرد التحية، والحكم بين الناس بالعدل، وبالهجرة في سبيل الله إذا لزم الأمر.
(6)النهي عن الاختيال والفخر، وعن التباهي والكبر، وعن تزكية النفس، وعن افتراء الكذب على الله، وعن الجهر بالسوء في القول إلا من ظُلم، وعن البخل والدعوة إليه أو الأمر به، وعن بذل المال رئاء الناس، وعن النفاق أو موالاة المنافقين، أو المشركين أو الكافرين، وعن قبول الاستذلال أو الرضوخ له، وعن تعاطي المُسكِرات، وعن الاقتراب من الفاحشة أو إشاعتها بين الناس.
(7) التقيد بأوامر الله -تعالى- في توزيع الميراث.
(8) تفصيل شروط الطهارة.
(9) الأمر بتدبر آيات القرآن الكريم.
(10) تأكيد مواقيت الصلاة وإقامتها في وقتها، وتشريع صلاة المسافر، وصلاة المقاتل -صلاة الحرب أو صلاة الخوف-.
(11) النهي عن قتل المؤمن إلا خطأً، وتفصيل أحكام القتل الخطأ، والنهي كذلك عن الوجود في مجالس يُستهزأ فيها بآيات الله.
(12)الأمر بالقتال في سبيل الله دون خشية من أولياء الشيطان؛ لأن ربنا -تبارك وتعالى- يقول -وقوله الحق-: "فَقَاتِلُوا أُوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" (النساء:76).
وتؤكد الآيات في سور النساء فضل المجاهدين على القاعدين.
من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة النساء:
(1) الإيمان بالله -تعالى- ربًّا واحدًا أحدًا، فردًا صمدًا، بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة، ولا ولد، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، واليقين بأنه -تعالى شأنه- رقيب على عباده، حسيب عليهم، عادل بينهم، لا يظلم مثقال ذرة، وأنه -سبحانه- محيط بكل شيء، تواب رحيم، عليم حكيم، غفور ودود، غني حميد، قدير وكيل، سميع بصير، شاكر كريم إلى غير ذلك مما وصف به ذاته العلية من صفات الكمال والجلال.
(2) اليقين بأن الجنة حق، وأن النار حق، وأنها إما جنة أبدًا، أو نار أبدًا.
(3) التسليم بأن الله –تعالى- لا يغفر أن يُشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
(4) وجوب طاعة الله -سبحانه وتعالى- وطاعة جميع أنبيائه ورسله، وعلى رأسهم خاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله -صلىالله عليه وسلم-.
(5) اليقين بأن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزَّل بالحق على خاتم أنبيائه ورسله -صلىالله عليه وسلم- والمحفوظ بحفظ الله -تعالى- في نفس لغته إلى قيام الساعة.
(6) الإيمان بوحدة رسالة السماء لوحدانية مرسلها، وبالأخوة بين الأنبياء لوحدانية المصدر الذي تلقوا الوحي عنه، واليقين بصدق بعثة الرسول الخاتم -صلىالله عليه وسلم- الذي تكاملت في رسالته كل الرسالات السابقة، ولذلك تعهد ربنا -تبارك وتعالى- بحفظها فحفظت؛ لأنه ليس من بعده -صلوات الله وسلامه عليه- من نبي ولا رسول، وقد أَوْكل حفظ الرسالات السابقة لأصحابها فضيعوها.
(7) التسليم بأن الموت حق على جميع العباد، وبأن متاع الدنيا قليل، وأن الآخرة خير لمن اتقى، وأن الشيطان للإنسان عدو مبين، وأن مخالفته ومعاداته طوق النجاة للصالحين من عباد الله، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والإيمان الجازم بقول ربنا -تبارك وتعالى-: "وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا" (النساء:141).
(8) التصديق بأن الذين حرَّفوا دينهم، وأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وأن حكم الله في الكافرين أوضحته سورة النساء بقول ربنا -تبارك وتعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. أُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا"(النساء: 150، 151).
(9) اليقين بأن الله -تعالى- قد خلق الناس جميعًا "... مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ..." (النساء:1)، ومحاولة إنكار ذلك أو التطاول عليه؛ إنكار لطلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وحكم ذلك معروف عندأهل العلم ومغبته الكفر بالله -والعياذ به سبحانه-.
من الإشارات الكونية في سورة النساء:
(1)الإشارة إلى خلق الناس جميعًا من نفس واحدة، خلقها الله -تعالى- من طين، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، والمكتشفات الحديثة في علوم الوراثة تدعم ذلك وتؤيده.
(2) الأمر بتقوى الله -سبحانه وتعالى- في الأرحام؛ لأنها مصانع الخلق، وفي صونها، وحمايتها، وتكريمها صون للإنسانية جمعاء ضد العبث المستهتر الذي تحاول الفلسفات الغربية المتهالكة فرضه على العالم بالقوة اليوم، وكلٌّ من علم الأجنة وعلوم الأمراض تؤكد حكمة أمر الله في ذلك.
(3)العلوم المكتسبة في قمة من قممها اليوم تؤكد الحكمة من تشريع المحرَّمات من النساء.
(4) التلميح إلى ضآلة حجم الذرة بضرب المثل بها في الصغر.
(5)الإشارة إلى حقيقة أن جلد الإنسان إذا أُزيل فإنه لا يشعر بالألم، والعلوم المكتسبة تثبت ذلك وتؤكده.
(6) التنبؤ بأن الشيطان سوف يسوِّل للإنسان محاولة تغيير خلق الله.
(7) الإشارة إلى عدد من أمم الأنبياء السابقين، والكشوف الأثرية تؤكد صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به في هذا الصدد.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها، ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علىالنقطة السادسة من القائمة السابقة، والتي تفيد بأن الشيطان سوف يغوي الإنسان بتغيير خلق الله، وقد حدث ذلك بالفعل مرات عديدة من قبل، كما يحدث اليوم في محاولات الاستنساخ الراهنة.
وفي ذلك تقول الآية الكريمة رقم 119 من سورة النساء على لسان الشيطان:"وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِيَنَّهُمْ وَلآمُرَنُّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا". (النساء: 119).
من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم:
هذا النص الكريم هو من نصوص الإعجاز التنبُّئي للقرآن العظيم الذي تنبأ من قبل ألف وأربعمائة سنة بأن الشيطان سوف يزيغ قلوب عدد من بني آدم عن طاعة الله، وسوف يلقي في عقولهم وصدورهم الأماني الباطلة الميسرة لمعصية الله، وذلك بمحاولات العبث بخلقه أملًا في تغييره، وقد فُسر ذلك في القديم بمحاولات خصي بعض بني الإنسان المستعبدين، ومحاولات خصي العديد من الحيوان، أو استخدام الوشم، أو العلامات المختلفة في الوجه،وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوشم خاصة في الوجه، كذلك فُسِّرت محاولات الشيطان بالإيعاز إلى بعض بني الإنسان بتغيير خلق الله بأنها تغيير لدين الله استنادًا إلى الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه-: قال الله -عز وجل-: "إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم(أي: صرفتهم عنه)، وحرمت عليهم ما أحللت لهم"(الإمام مسلم)، ولكن أبلغ ما توصف به محاولات الشيطان لإغواء عدد من بني الإنسان علىتغيير خلق الله -تعالى- هو ما يجري الآن على الساحة الدولية تحت مسمى الاستنساخ (Cloning).
ما هو المقصود بعملية الاستنساخ؟
الاستنساخ لغة هو التقدم بنسخ الشيء، مثل نقش الخاتم في الشمع، وهو الأمر بالنسخ والإثبات، وهو أيضا المحو والإزالة، يقال:(نَسَخَت) الشمسُ الظلَّ و(انتسخته)، أي: أزالته، و(نسخت) الريح آثار الديار، أي: غيرتها. و(نَسَخَ) الكتاب و(انتسخه) و(استنسخه)، أي: عمل منه نسخة مطابقة للأصل. و(النسخة) اسم كلٍّ من(المنتسِخ) منه و(المنتسَخ). و(نسخ) الآية بالآية إزالة حكمها بحكم يتعقبها. و(المناسخة) في الميراث هي أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم.(وتناسخ) الأزمنة والقرون هو مضي قوم بعد قوم.
والقائلون(بالتناسخ) قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة، ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلى الأجسام على التأبيد، وهو زعم باطل لا أساس له من الصحة.
و(الاستنساخ) علميًّا هو محاولة إيجاد نسخ متشابهة من الخلايا الحية أو الكائنات الحية الكاملة من خلية حية سابقة أو من عدد من الخلايا، أو من كائن حي، وهو نوع من التكاثر تقوم به معظم النباتات والحيوانات البسيطة ويعرف باسم التكاثر الخضري، أو الجسدي، أو غير الجنسي؛ لأن عملية الإخصاب تتم فيه ذاتيًّا.
وفي بعض هذه الكائنات البسيطة قد تتبادل عمليتا التكاثر غير الجنسي والجنسي بطريقة دورية أو شبه دورية تعرف باسم ظاهرة تبادل الأجيال الجنسية وغير الجنسية، فالنباتات -على سبيل المثال- منها نباتات وحيدة المسكن، تنتج أزهارًا تحمل الأعضاء الذكرية والأنثوية معًا، ومنها نباتات ثنائية المسكن يحمل بعض أفرادها الأزهار الذكرية، ويحمل البعض الآخر الأزهار الأنثوية، كذلك تستطيع بعض النباتات والحيوانات إتمام عملية التكاثر بالانشطار أو التبرعم أو الانقسام، أو بتكوين أنواع غير جنسية، وعلى الرغم من ذلك فقد يمر معظم هذه الكائنات بدورة تكاثر جنسي أيضًا.
أما الكائنات العليا من عالم الحيوان -باستثناء أنواع قليلة من الأسماك والبرمائيات والزواحف- فإن الخالق -سبحانه وتعالى- قد هيَّأها للتكاثر الجنسي فقط، وكذلك الإنسان، فالقاعدة التي وضعها الخالق -سبحانه وتعالى- لتكاثر الإنسان هي التزاوج، ولذلك جعل الخلايا التناسلية تحمل نصف عدد الصبغيات المحدد لنوع الإنسان، حتى إذا التقى الحيمن (النطفة الذكرية) مع البييضة(النطفة الأنثوية) ليكوِّنا النطفة الأمشاج أي المختلطة اللقيحةzygote))، فإن عدد الصبغيات يكتمل إلي(46) صبغيًا في(23) زوجًا، وهو العدد المحدد لنوع الخلية الحية البشرية، وبذلك يحصل الجنين لكل صفة فيه على مورثين: أحدهما مستمد من الشيفرة الوراثية للأب وأسلافه، والآخر مستمد من شيفرة الأم وأسلافها، وبذلك يأتي الأبناء على قدر من التشابه مع الوالدين والاختلاف عنهما، وتعرف هذه الظاهرة في علم الوراثة باسم التنوع مع الوحدة
Diversity in unity)).
والمورثان المختلفان للصفة الواحدة يكون أحدهما أقوى من الآخر فيسود ويستتر المورث الآخر لتظهر صفاته في أجيال قادمة أو لا تظهر، وعلى الرغم من وضوح الحِكَم الإلهية العديدة من فرض التكاثر الجنسي علىالإنسان وعلى العديد غيره من الكائنات الراقية، إلا أن الشيطان ظل يوسوس للإنسان بإمكانية تطبيق التكاثر غير الجنسي على ذاته وعلى غيره من المخلوقات الراقية، وبالفعل نجح عدد من العلماء في استنساخ ضفدعة في سنة1952 م، واستعصت الحيوانات اللبونة(الثدييات) على الاستنساخ حتى أعلن فريق علمي إسكتلندي بقيادة الأستاذ إيان ويلموت (Ian Wilmut) من معهد روزلين(Roslin Institute) بمدينة إدنيره ميلاد أول نعجة بعملية استنساخ من خلية عادية نامية، وهي النعجة المسماة باسم دوللي(The Sheep Dolly)، وذلك في سنة1996م. وذلك بأخذ خلية جسدية بالغة من ضرع إحدى النعاج
(أ) ووضعها مع بييضة جنينية نزعت نواتها من نعجة أخرى
(ب) في مجال كهربي قوي لتحفيز إندماجهما، وبذلك تم تكوين بييضة مخصبة أُخذت وزُرعت في رحم نعجة ثالثة
(ج) وبعد إتمام فترة الحمل جاءت النعجة المستنسخة دوللي شبيهة بالنعجة(أ) صاحبة النواة الجسدية الحاملة للصبغيات، وقد نجحت هذه التجربة بعد فشل حوالي280 محاولة سابقة على مدى عدة سنوات، وبعد هذه التجربة تم استنساخ مئات من الثدييات، مثل الخراف، الماعز، البقر، الأرانب، القطط، الفئران، الخنازير، وغيرها، إلا أن محاولات استنساخ حيوانات مثل الخيول، القردة، الكلاب، والدجاج قد باءت كلها بالفشل.
كذلك لوحظ في حالات نجاح عملية الاستنساخ أن نسبة سقوط الأجنة تفوق بشكل مفزع نظائرها في حالات الحمل بالتزاوج، والغالبية العظمى من الأجنة المستنسَخة التي وصلت إلى مرحلة الولادة عانت من تشوهات خلقية عديدة، وكان أبلغ مثال على ذلك النعجة دوللي ذاتها التي تم إعدامها بعد حوالي ست سنوات من ميلادها لاكتشاف إصابتها بسرطان الرئة، وبمرض روماتيزم المفاصل الذي أصابها بالشلل الكامل، وغير ذلك من الأمراض التي جعلتها تبدو أكبر من سنها بكثير، ولذلك اتخذ المسؤولون في معهد روزلين القرار بإعدامها بعد إنجابها ستة من الحملان، وتم ذلك في 14 من فبراير سنة 2003م.
من أخطار عملية الاستنساخ:
(1) أن العملية مكلِّفة جدًّا، وعواقبها غير مضمونة، وغير مأمونة.
(2) أن أكثر من90% من عمليات الاستنساخ تفشل قبل أن تتم، وأن نسبة النجاح لا تتعدى 1% إلي2%.
(3) أن النسبة الضئيلة من الحيوانات المستنسخة (1% إلي2%) تعاني من نقص في جهاز المناعة، مما يزيد من تعرضها للإصابة بالأمراض بشكل ملحوظ، ومن أخطرها الأورام السرطانية، والتشوهات الخلقية في القلب والكبد وغيرهما من أعضاء الجسم بالإضافة إلى الاضطرابات الجسدية المختلفة، ولذلك فإنها لا تعمر لأنصاف متوسط الأعمار المقدرة لها.
(4) لوحظ أن غالبية الحيوانات المستنسخة التي تصل إلى مرحلة الميلاد تصل إلى أحجام أكبر بكثير من متوسط أحجامها، ويموت أغلبها في سن مبكرة جدًّا، وبصورة مفاجئة ومريبة.
(5) لوحظ في أغلب الحيوانات المستنسخة أن هناك عددا من المورثات التي تعمل بطريقة شاذة توحي بنوع من التشويه في الشيفرة الوراثية.
(6) لا يمكن الحكم في حيوانات التجارب على آثار الاستنساخ السلبية على كلٍّ من القوى العقلية والجوانب النفسية.
(7) تشير جميع التجارب التي تمت لاستنساخ الحيوانات أن العملية لا تزال محاطة بالعديد من حجب الغموض والأسرار التي لم يتم فهمها بعد.
وعلى الرغم من كل هذه المخاطر المدمرة فإن الشيطان لا يزال ينفث إغراءاته وسمومه في أذهان العديد من بني الإنسان من أجل تحقيق الاستنساخ البشري رغم التحذيرات العديدة، والنداءات العالية من علماء الدين، والاجتماع، والقانون، والطب، والوراثة بضرورة تحريم هذه التجارب التي تحوِّل الإنسان -ذلك المخلوق المكرم- إلى حقل تجارب يفقده ذاته بتغيير خلقة الله فيه، وذلك بدعاوى تحسين النسل، أو إنتاج أطفال حسب مواصفات محددة، أو ليكونوا قطع غيار لغيرهم، أو ليشكلوا جنودًا لا تُقهر، أو بدعوى الاستغناء النهائي عن نظام الأسرة، حيث تستطيع المرأة أن تحمل دون رجل، وكذلك يستطيع الرجل أن يحمل بالاستنساخ في تجويف بطنه دون أنثى، أو بدعوى إنتاج صبغيات بشرية قادرة على علاج العديد من الأمراض المستعصية من أجل تقليل الشيخوخة أو منعها، وغير ذلك من الخيالات التي يمنِّيهم بها الشيطان، ويضلِّلهم بها، وهذا نذير بهلاك العالم.
ولذلك يقرر علماء الشريعة الإسلامية أن استنساخ البشر محرَّم شرعًا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهدم الأسرة، وزوال العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، ومن أهمها علاقات الآباء بالأبناء، وعلاقات الأبناء بوالديهم، وعلاقة الأخوة في الأسرة الواحدة، وعلاقات المصاهرة بين الأسر المختلفة، وإلا فأين يتربى الطفل المستنسخ في غير محضن الوالدين ورعايتهما وعطفهما وحنانهما؟ وكيف يعيش وينمو ويتعلم ويتزوج وينجب؟ وما هي حقوقه الاجتماعية والقومية والقانونية ؟ ولمن يكون ولاؤه وهو لا يعرف له أبًا ولا أمًّا، ولا أخًا ولا أختًا، ولا عمًّا ولا خالًا، ولا جَدًّا ولا جدة؟ ولمن تكون الحقوق، وعلى من تكون الواجبات في مجتمع منهار مخلخل كمجتمع المستنسخين الذي انمحت منه صلات الرحم؟
هذه بعض نفثات الشيطان في عقول وقلوب الداعين إلى استنساخ الإنسان، والتي حذر القرآن الكريم منها من قبل أربعة عشر قرنًا بالحديث على لسان الشيطان حيث يقول:"وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِيَنَّهُمْ وَلآمُرَنُّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه" (النساء: 119)،ثم يقول ربنا -تبارك وتعالى- في نفس الآية الكريمة: "وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا" (النساء:119).
ومع إيماننا بأن القرآن الكريم قد حضَّ على اكتساب العلم النافع حضًّا، ودعا إلى التأمل في النفس الإنسانية وفي الآفاق حول الإنسان بإلحاح شديد، وأمر باكتشاف سنن الله في الكون، وتوظيفها في عمارة الحياة على الأرض، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أُثر عنه قوله الشريف: "الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أولى الناس بها". (رواه ابن ماجة)، وفي رواية للترمذي "الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أولى الناس بها"، ومع تسليمنا بأن علوم الهندسة الوراثية لها فوائد جمَّة في موضوع العلاج الجيني، وفي استنساخ أنسجة وأعضاء بشرية تعويضية عن طريق الخلايا الجذعية المأخوذة من المرضى أنفسهم، أو من سقط المواليد الجدد، وفي الكشف عن الأمراض الوراثية وعلاجها أثناء الحمل وبعد الولادة، وفي تطوير التقنيات المساعدة على الإنجاب وتحسينها بالطرق المشروعة، وفي التعرف على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في خلق الإنسان - مع إيماننا بكل ذلك تبقى الأصوات الهامسة بضرورة الاستنساخ البشري نذير شر على البشرية جمعاء، ودعمًا للدعوة الشيطانية التي تبنتها مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان، والإيواء، والمرأة، والتي عُقدت في السنوات القليلة الماضية، وهي دعوة خبيثة تدعو إلى انفلات المرأة، وإلى الاعتراف بالشذوذ الجنسي، وإقرار حقوق للشواذ، وإلى تدمير مؤسسة الأسرة.
ويأتي مِعْوَل الهدم الأخير لتلك المؤسسة الأسرية ممثلًا في الاقتراح باستنساخ الإنسان، ويأتي التحذير من هذه الهمزات الشيطانية الخبيثة كما عرضتها على لسان الشيطان الآية (119) من سورة النساء إعجازًا تنبُّئيًّا سبق به القرآن الكريم أحداث هذا الزمن بأكثر من أربعة عشر قرنًا، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل مصدرًا لهذا التنبؤ الدقيق في هذا الزمن السحيق غير الله الخالق.
فالحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على بعثة خير الأنام، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه ودعا بدعوته، إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.