هذا النص الكريم يؤكد أن للحج وقتا معلوما حدده المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بشهري شوال وذي القعدة ، والعشر الأوائل من ذي الحجة. وعلى ذلك فلا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج. والحج يعني قصد المسلم مكة المكرمة محرما من الميقات المحدد في أشهر الحج المحددة، والوقوف بعرفة، وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع (ذكرا كان أو أنثى)، ولو لمرة واحدة في العمر¸ وذلك استجابة لأمر الله، وابتغاءً لمرضاته. والحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، وهو حق لله- تعالى- على المستطيعين من عباده (ذكورا وإناثا). والحج هو عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين، وذلك لما رواه أبو هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل: أي الأعمال أفضل ؟ قال: " إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا ؟ قال : " ثم جهاد في سبيل الله " ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : " ثم حج مبرور ". والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم. وللحج مقاصد وحكم عديدة منها ما يلي: 1- تعريض كل من حج البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض (الحرم المكي) في أشرف أيام السنة ( الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة ). 2- تذكير الحاج بمرحلية الحياة ، وبحتمية الرجوع إلى الله- تعالى- والتدريب على ذلك. 3- تذكير الإنسان بضرورة محاسبة نفسه قبل أن يحاسب ، وذلك انطلاقا من الأعمال الإجرائية العديدة التي يقوم بها بمجرد إعلان نيته بالحج ومنها: التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي، ووصل كل مقطوع من صلات الرحم ، وقضاء الديون، ورد المظالم، وإخلاص النية لله، والحرص على الحلال في كل شئ، والبعد عن الحرام في كل أمر ، كتابة الوصية وتوضيح كافة الحقوق فيها، الزهد في الدنيا ، والحرص على الآخرة، التمسك بطهارة النفس، وبمكارم الأخلاق، واستقامة السلوك. 4- شهود العديد من المنافع أثناء أداء شعيرة الحج. 5- ضرورة الاستفادة بهذا المؤتمر العالمي الأول من نوعه في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين على مختلف المستويات. ولكي يتم تحقيق هذه المقاصد قال- تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ....*). و (الرفث) هو الفحش في الكلام، و (الفسوق) هو الخروج عن الحق والصواب، و (الجدال) هو شدة الخصومة فى المناقشة. والنهي عن هذه الخصال السيئة الثلاث يُعِد الحاج نفسيا للتجرد لخالقه- سبحانه وتعالى- في عبادة هي من أجل العبادات عند الله ، ويعينه على الارتقاء بنفسه فوق كل الدواعي المادية أثناء هذه الرحلة المباركة ، وعلى جعلها رحلة خالصة لله (تعالى). ولو أدرك كل حاج كرامة المكان الذي يتواجد فيه ، وكرامة الزمان لحرص على جعل كل حركة وسكنة ونطق وفعل طلبا لمرضاة الله (تعالى). فالحرم المكي يقع في مركز اليابسة، ومن فوقه البيت المعمور (كعبة الملائكة)، ومن دونه ست أرضين، ومن حوله سبع سماوات ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- " البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو حذاء هذا البيت "(البيهقي). فعلى كل زائر للحرم المكي أن يعلم أنه يقف فوق أول جزء أوجده الله- تعالى- من اليابسة، وفي مركز الأرض الأولى ، ومن دونه ست أرضين، ومن حوله سبع سماوات، ومن فوقه البيت المعمور، ومن فوق ذلك كله الكرسي وعرش الرحمن. ولذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن مكة المكرمة: 1- " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ". 2- " الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ". 3- " من حج الى مكة كان له بكل خطوة يخطوها بعيره سبعون حسنة ، فإن حج ماشيا كان له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم ، أتدري ما حسنات الحرم ؟ الحسنة بمائة الف حسنة ". 4- " هذا البيت دعامة الإسلام، من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر أو زائر، كان مضمونا على الله- عز وجل- إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده ، رده بغنيمة وأجر ". 5- " لا يكون بمكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا نمام، ودحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة ". وفي فضل الأيام العشر الأولى من ذي الحجة يروى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوله : " ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل : هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله ؟ قال- صلى الله عليه وسلم :هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله ، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ...". وإذا اجتمعت كرامة المكان وكرامة الزمان تضاعف الأجر أضعافا كثيرة بإذن الله . وفي هذا الجو الروحاني يجب على الحاج أن يحرص على كسب الحسنات لمضاعفة الأجر إن شاء الله، فلا يزاحم ، ولا يدافع ، ولا يستأثر لنفسه بشئ، بل يكون هاشا، باشا، سمحا، كريما، مقداما ، يساعد الضعيف ويعين المحتاج، ويبادر بالخير وبالبذل في كل موقف، ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : 1- " النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله : الدرهم بسبعمائة ضعف ". 2- " من حج لله ، فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه ". 3- " لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة ". وقال- تعالى- عن الحرم المكي : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*) (الحج : 25). ولذلك فإن الله- تعالى- بعد أن نهى عن كل من الرفث والفسوق والجدال في الحج ، حبب إلى حجاج بيته فعل الخيرات فقال : ( .... وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ*) (البقرة :197 ). وفي قلب الحرم المكي (أشرف بقاع الأرض)، وفي الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة (أشرف أيام السنة) يبدو واضحا أمام أعين وقلوب المؤمنين أن الله- تعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وتتضح هذه الحقيقة أكثر مما تتضح في أي مكان أ زمان آخر، فيكون ذلك ضابطا للسلوك، فيتضاعف الأجر أضعافا كثيرة بإذن الله. والله يقول الحق، ويهدي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك هلى سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.