news-details
الإعجاز التشريعي

(... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ *) - ( آل عمران‏:97)

لتشريع الحج حكم عديدة ، نوجز منها ما يلي : أ- تعريض كل من حج البيت ـ ولو لمرة واحدة في العمر ـ لكرامة أشرف بقاع الأرض‏(‏ الحرم المكي‏)‏ في أشرف أيام السنة ‏(‏ الأيام العشرة الأولي من ذي الحجة‏).‏ ب -‏ تذكير الحاج بمرحلية الحياة‏،‏ وبحتمية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ وهي من أحق حقائق الوجود‏،‏ وإن غفل كثير من الناس عنها‏.‏ ج - تذكير الحاج بحساب الآخرة‏،‏ وبضرورة محاسبة نفسه قبل أن يحاسب‏،‏ وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه‏،‏ وذلك من خلال الأعمال الاجرائية التي يجب علي كل ٍ حاج أن يقوم بها‏ . د - شهود العديد من المنافع الفردية والجماعية أثناء أداء شعيرة الحج‏.‏ ‏ه - خروج الحاج من أداء هذه العبادة في تلك الرحلة المباركة بعدد من الخصال والسجايا الحميدة التي يصعب الحصول عليها في أي رحلة أخرى، ومن ذلك ما يلي: 1 ـ الزهد في الدنيا والحرص علي الآخرة‏،‏ وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت‏،‏ وليس معني ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا‏،‏ لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها‏،‏ ولكن ليس علي حساب الآخرة‏.‏ ‏ 2 ـ اليقين بأن الحج يطهر الذنوب والآثام‏،‏ انطلاقا من قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"‏،‏ ولقوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لعمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ حين قدم لمبايعته‏:‏ "أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله‏،‏ وأن الهجرة تهدم ما قبلها‏،‏ وأن الحج يهدم ماقبله؟" وإنطلاقا من هذا اليقين كان واجبا علي كل من أدي فريضة الحج أن يحرص حرصا شديدا علي عدم الوقوع في معاصي الله‏.‏ ‏ 3ـ الحرص علي أداء العبادات المفروضة في وقتها‏،‏ وعلي الإتيان من النوافل قدرالاستطاعة‏.‏ ‏ 4ـ التمسك بطهارة النفس‏،‏ واستقامة السلوك‏،‏ وعفة اللسان‏،‏ وغض البصر‏،‏ والتحكم في الشهوات والرغبات والأهواء‏،‏ وكظم الغيظ‏،‏ والعفو عن الناس‏،‏ وصدق الحديث‏،‏ ورقة التعامل مع الآخرين‏،‏ والتواضع للخلق‏،‏ وحسن الاستماع والاتباع‏،‏ والاحتشام في الزي والهيئة‏،‏ وإخلاص السرائر‏،‏ واجتناب سوء الظن بالآخرين والتوسط والاعتدال في كل أمر‏،‏ والثبات علي الحق في كل حال‏،‏ والمجاهدة من أجل نصرته‏،‏ وتحمل تكاليف ذلك‏،‏ والحرص علي العمل الصالح‏،‏ والتنافس فيه حتي يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره‏.‏ ‏ ‏ 5ـ الحرص علي التزود من العلوم الشرعية‏،‏ والثقافة الدينية،‏ والالتزام بما يتعلمه المسلم من كتاب الله ومن سنة رسوله‏،‏ وذلك لأن الإسلام دين لا ينبني علي جهالة‏،‏ وإنما ينبني علي علم والتزام‏،‏ ومصدرا التلقي للمسلم هما كتاب الله وسنة رسوله‏،‏ وعلي كل مسلم أن يجتهد في التعرف علي أوامر الله ـ تعالي ـ ويلزم نفسه وأهله بها‏،‏ وفي التعرف علي نواهيه فيجتنبها ويحاربها‏،‏ فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر كما قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ‏(‏النحل‏:43) (‏الأنبياء‏:7).‏ ‏ 6‏ ـ الحرص علي الكسب الحلال‏،‏ وعلي طيب المطعم والمشرب‏،‏ وعلي البعد كل البعد عن الشبهات والمحرمات‏.‏ ‏ 7‏ ـ المواظبة علي الصحبة الطيبة‏،‏ وعلي التزام جماعة المسلمين‏،‏ وعلي الولاء لله‏،‏ وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً *) (الكهف‏:28)‏. ‏ 8‏ ـ الاهتمام بقضايا المسلمين الكبري‏،‏ ومن أبرزها قضايا الأمية بشقيها‏(‏ أمية القراءة والكتابة وأمية العقيدة‏)‏ وقضايا الحريات‏،‏ وقضايا التخلف العلمي والتقني‏،‏ وقضايا البيئة ومحاربة كل من الفقر والمرض‏،‏ وقضايا تحرير أراضي المسلمين المحتلة من مثل أراضي كل من فلسطين‏،‏ والعراق‏،‏ وأفغانستان‏،‏ وجنوب كل من السودان والفلبين‏،‏ وأراكان‏،‏ وسبتة ومليلية وجزيرة ليلي وغيرها من الجزر المغربية‏.‏ ‏ 9‏ ـ المساهمة الفعالة في الدعوة إلي دين الله بالكلمة الطيبة‏،‏ والحجة الواضحة‏،‏ والمنطق السوي‏.‏ ‏ 10 ‏ـ العمل علي جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ـ ولو علي مراحل متتالية والوحدة الأوروبية أمام أنظارنا حقيقة واقعة ، علما بأن عوامل التوحد فيما بيننا هي أكثر كثيرا مما عندهم‏.‏ و- الاستفادة بهذا المؤتمر العالمي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين خاصة‏،‏ وقضايا الإنسانية عامة. فما أحري حكام الدول الإسلامية‏،‏ ومستشاريهم‏،‏ وعلماءهم‏،‏ وأصحاب القرار فيهم أن يحرصوا علي المشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الدولي مشاركة فعالة‏،‏ يناقشون مشاكلهم ومشكلات دولهم ويتدارسون مسائل التعاون في مختلف أنشطة حياتهم تمهيدا لتحقيق الوحدة الكاملة بينهم - ولو علي مراحل متدرجة مدروسة -‏.‏ وما أحري علماء الأمة الإسلامية ومفكريها وقادة الرأي من بين ابنائها وإعلامييها ان يحرصوا علي المشاركة في اجتماعات الحج قبل وبعد أداء المناسك‏،‏ لمناقشة أهم القضايا الشرعية والعلمية والإعلامية المختلفة التي تهم الأمة الإسلامية‏،‏ والبشرية جمعاء‏.‏ وما أحري رجال الأعمال المسلمين ان يستفيدوا بالحج لمزيد من التعارف والتعاون والتكامل فيما بينهم‏،‏ حتي تتوحد الأمة وتترابط في جسد واحد‏،‏ ويبقي الحج بعد ذلك أعظم المؤتمرات الدولية للتعارف بين المسلمين‏،‏ وتبادل الآراء والخبرات‏،‏ والتشاور والتنسيق والتخطيط في مواجهة كل أمورهم ومشاكلهم والتحديات التي تواجههم‏،‏ ومختلف قضاياهم‏،‏ وذلك من اجل تحقيق التكامل الاقتصادي والإداري والإعلامي والسياسي بينهم حتي ينتهي ذلك بوحدة كاملة علي أسس راسخة مدروسة إن شاء الله تعالي وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏ وكون ذلك يتم في جو من الروحانية العالية‏،‏ والعبادة الخالصة والقرب من الله ـ تعالي ـ والذكر الدائم لجلاله في أشرف بقاع الأرض‏،‏ وأشرف أيام السنة يجعل من دواعي نجاح مؤتمر الحج السنوي ما لايمكن توافره لمؤتمر سواه خاصة أن هذه العبادة الجليلة يخالطها شيء من استشعار معية الله ـ تعالي ـ والقرب منه‏،‏ والالتزام بتقواه وخشيته في كل أمر مما يعين علي حسن التعارف والتواصل والتعاون والتنسيق والتكامل علي مستوي الأفراد والمؤسسات والحكومات‏،‏ وعلي ذلك فالحج فريضة تلتقي فيها الدنيا والآخرة‏،‏ كما التقى فيها أول النبوة بختامها‏،‏ وتلتقي فيها مسيرة النبوة والرسالة السماوية بل ومسيرة البشرية كلها عبر التاريخ‏.‏ فأصحاب الدعوة إلي الله‏،‏ وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي يجدون في موسم الحج فرصة ذهبية لعرض أفكارهم علي الناس‏،‏ وأصحاب كل من الزراعة والصناعة والتجارة يجدونها فرصة كذلك لعقد الصفقات أو لترويج ما معهم من منتجات تحمل إلي هذا المكان الطيب الطاهر من مختلف بقاع الأرض‏،‏ فتحوله إلي سوق عالمية سنوية في ظل القيام بأداء شعائر الله‏،‏ والعمل علي ترسيخ دينه في الأرض‏،‏ ولذلك قال تعالي‏:‏ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) ‏(الحج‏:48). وإقبال الحجيج لأداء هذه الشعيرة من مختلف بقاع الأرض شهادة للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏،‏ وشهادة للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏ فصل اللهم وسلم وبارك عليه‏،‏ وعلي آله وصحبه‏،‏ ومن تبع هداه‏،‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏،‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏