news-details
الإعجاز التشريعي

(...فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ....) - (البقرة :144)

هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع النصف الثاني من سورة " البقرة "، وهي سورة مدنية ، وآياتها مائتان وست وثمانون (286) بعد البسملة، وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق ، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة أجراها ربنا – تبارك وتعالى – على يدي عبده ونبيه موسى بن عمران- على نبينا وعليه من الله السلام – حين تعرض شخص من قومه للقتل ، ولم يعرف قاتله ، فأوحى الله – تعالى- إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة ، وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله ، ويخبر عن قاتله ، ثم يموت ، وذلك إحقاقا للحق وشهادة لله الخالق بالقدرة على إحياء الموتى . ويدور المحور الرئيسي لسورة " البقرة " حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات ، والأخلاق ، والمعاملات ، وإن لم تغفل هذه السورة الكريمة الإشارة إلى عدد من ركائز العقيدة الإسلامية ، وقصص عدد من الأنبياء وأممهم . هذا ، وقد سبق لنا استعراض سورة " البقرة " وما جاء فيها من التشريعات، وركائز العقيدة ، والعبادات، ومكارم الأخلاق، والقصص والإشارات الكونية، ونركز هنا على الحكمة من جعل التوجه إلى الكعبة المشرفة ( استقبال القبلة ) فرضا من فروض الصلاة وشرطا من شروط صحتها ،لا تصح الصلاة بدونه إلا ما جاء في صلاة الخوف والفزع ، وفي صلاة النافلة على الدابة ، أو السفينة ، أو الطائرة وذلك للأمر الإلهي إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث يقول ربنا – تبارك وتعالى- له : (.... فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...) (البقرة:144). من أوجه الإعجاز التشريعي في استقبال الكعبة المشرفة أولا : التأكيد على ضرورة توحيد المسلمين وجمع كلمتهم على التوحيد الكامل للإله الخالق – سبحانه وتعالى – ( بغير شريك ، ولا شبيه ، ولا منازع ، ولا صاحبة ولا ولد ). فكما أن البيت المعمور هو قبلة أهل السماء فإن البيت العتيق هو قبلة أهل الأرض. ثانيا : أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس في الأرض من أجل عبادة الله الخالق – سبحانه وتعالى – حيث أمر الله الملائكة ببنائها قبل خلق أبينا آدم – عليه السلام – ببلايين السنين وذلك لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (1) " أول من طاف بالبيت الملائكة" (أحمد). (2) " كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض " ( الهروي ، الزمخشري ، البيهقي ، عبد الرزاق ). (3) "دحيت الأرض من تحت مكة ، فمدها الله تعالى – من تحتها فسميت ( أم القرى ) " ( الإمام أحمد ، السيوطي ). وهذا المد كان في بدء تكوين الكتل القارية للإرض . (4) وفي شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن قتيبة – رحمه الله – أن مكة المكرمة سميت باسم " أم القرى " لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض ( البيهقي ، الطبراني ) . (5)كذلك أخرج كل من البيهقي والطبراني عن أبن عمر – رضي الله عنهما – موقوفا أنه ( أي البيت الحرام ) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة ( بفتح الزاي أي كتلة من الزبد ) بيضاء فدحيت الأرض من تحته ولعل ذلك يفسر قول الحق – تبارك وتعالى - : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) ( آل عمران : 96 ) . ثالثا : لذلك شرع الله – تعالى – الحج إلى بيته العتيق ، وجعله ركنا من أركان الإسلام ، كما جعله حقا لذاته العلية على كل مسلم ، بالغ ، عاقل ، حر ، مستطيع ، ولو لمرة واحدة في العمر ، وهو من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة لقول ربنا – تبارك وتعالى – في محكم كتابه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ *) ( آل عمران: 97) . رابعا : أكدت المعارف المكتسبة توسط مكة من اليابسة واستقامة خط الطول المار بها مع الشمال الحقيقي دون أدنى انحراف مغناطيسي ، وهي خاصية محددة لهذه البقعة المباركة . كذلك أكدت آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض ، بل هي في موقع مميز من الكون كله وفي ذلك يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم -: (1)- " البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو على منا الكعبة" ( البيهقي ، الأرزقي ). (2)- " يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء " (الفاكهي). (3)- " إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع " (الأرزقي). خامسا : تؤكد آيات القرآن الكريم توسط الكرة الأرضية من السموات وذلك بقول ربنا – تبارك وتعالى – (1)- (يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ *) (الرحمن : 33) واجتماع أقطار السموات – على ضخامتها – مع أقطار الأرض على ضآلتها يؤكد مركزية الأرض من الكون . (2)- في عشرين آية قرآنية كريمة جاء ذكر البينية الفاصلة بين السموات والأرض وذلك من قوله – تعالى – (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّ) (مريم : 65). وهذه البينية لا تتحقق إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع ، فإذا كانت الأرض في مركز السموات السبع ، وكانت الأرضون السبع كلها في أرضنا هذه ، وكانت الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولى ( وهي اليابسة) اتضح تفرد موقع الكعبة المشرفة بالنسبة للكون كله، خاصة إذا أكد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة تماما حتى إذا خر خر فوقها . سادسا : والكعبة المشرفة تعرضت للهدم بعد بنائها الأول عدة مرات حتى كان زمن نبي الله إبراهيم – عليه السلام – فبوأ له الله – تعالى – مكان البيت ، وأمره أن يرفعه من قواعده ، وأن يؤذن في الناس بالحج ، وأن يطهر هذا البيت (...لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ففعل ما أمر به وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *) (البقرة:127،128 ). ويقول : (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئا وَطَهِّرً بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ويذْكُرُوا َاسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ *) (الحج : 26-29 ). سابعا : إن قدم عبادة الحج تؤكد حرمة الكعبة المشرفة فقد شرع ربنا –تبارك وتعالى- حج البيت لأبينا آدم – عليه السلام– كما شرعه لذريته من بعده ، ولجميع من أرسلوا لهداية البشرية من الأنبياء والمرسلين فمن الثابت من أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أن جميع الأنبياء والمرسلين وغيرهم من عباد الله الصالحين قد قدموا إلى الحرم المكي لأداء شعيرتي الحج والعمرة ، ومن ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : "وما من نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا قد حج البيت الحرام ، وطاف به ،ووقف على المشاعر المقدسة في هذه البقاع الطاهرة ، فلما كان إبراهيم -عليه السلام – بالشام أراه الله – سبحانه وتعالى – البيت وبوأه له ، فخرج إليه من الشام ، ومعه ابنه إسماعيل وزوجه هاجر أم إسماعيل الذي كان طفلا صغيرا ترضعه " ( الطبري). ثامنا : يذكر القرآن الكريم أن من فضائل الحرم المكي أن من دخله كان آمنا ، وليس ذلك الأمن لمكان آخر على وجه الأرض . وقد بقي الحرم المكي مكانا آمنا أبد الدهر حتى في أيام الجاهلية التي كان العرب قد نسوا فيها دعوة كل من عبد الله ونبيه إبراهيم وولده إسماعيل – عليهما السلام – فانحرفوا إلى الشرك بالله ، وعبدوا الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب ، وبقيت حرمة الكعبة المشرفة مصانة عندهم، وفي ذلك يمتن الله – تعالى – على أهل مكة ، بقوله العزيز: (أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ *) (القصص: 57 ). وفي عهد داود – عليه السلام – بقيت حرمة مكة وشرعة الحج إليها في مزاميره ( من مثل مزمور رقم (84) من سفر المزامير في العهد القديم ) . تاسعا : من تعاظم حرمة البيت العتيق وحدود حرمه أن الله –تعالى – تهدد الذين يقترفون المحرمات فيه بعقاب منه ، وأمر بتعظيم الدية على من يرتكب جناية فيه ، وبتغليظ العقوبة على المسيئين في حدوده ، وفي ذلك يقول الحق – تبارك وتعالى– (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *) (الحج : 25 ). وقال المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : (1) " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ( البخاري ). (2) " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها " (البخاري، أحمد ). (3) " إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ألا وإنها ساعتي هذه حرام ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد " ( البخاري ). (4) " لا يكون بمكة سافك دم ، ولا آكل ربا ، ولا نمام ، ودحيت الأرض من مكة ، وأول من طاف بالبيت الملائكة " (أحمد). (5) " لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة " (مسلم). (6) " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، ألا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره ، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة" (مسلم). (7) " لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها ، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا " (الطبراني). (8) وروي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله عن مكة المكرمة " والله إنك خير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " (أحمد). (9) " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ألا مكة والمدينة " (متفق عليه). وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا- تبارك وتعالى – على لسان خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ) (النمل:91). من هنا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وهو مقيم في مكة المكرمة يستقبل في الصلاة كلا من الكعبة المشرفة وبيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة أمره الله –تعالى – بالصلاة إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ليؤكد على وحدة رسالة السماء ، وعلى الأخوة بين الأنبياء ، وليتبين الثابت على دينه من المتشكك فيه . ولعلمه – صلوات ربي وسلامه عليه – بفضل مكة المكرمة على سائر بقاع الأرض كان يتوق لأمر الله – تعالى – بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام ، وفي ذلك يقول له ربنا – تبارك وتعالى - : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ....) ( البقرة : 144). وقد أخبر الله- تعالى – خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم – عما سيقوله السفهاء من الكفار والمشركين عن تحويل القبلة قبل نزول الأمر بذلك ، وفي ذلك تقول الآيات : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ *) (البقرة:142-143). وهذا الإخبار من معجزات القرآن الإنبائية ، ومن الشهادات على صدق نبوة المصطفى – ( صلى الله عليه وسلم) . روى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : لما وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الكعبة ، قالوا : يا رسول الله : كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله – تعالى – قوله العزيز: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي صلاتكم . وكان اعتراض يهود المدينة على تحويل القبلة ضرب من السفه والجهالة ، لأن تحويل القبلة كان بأمر من الله – تعالى – لاختبار إيمان المؤمنين وغربلة صفهم من المنافقين ، وللتأكيد على وحدة رسالة السماء ، وعلى الأخوة بين الأنبياء ، وعلى حرمة مكة المكرمة وفضلها على جميع بقاع الأرض . من هنا كان استقبال القبلة واجبا من واجبات الصلاة لا تصح بدونه. ولكن إذا خفيت أدلة القبلة لغيم أو ظلمة وجب على من يريد الصلاة سؤال من يرشده إليها ، فإن لم يجد اجتهد قدر طاقته، وصلاته صحيحة حتى لو تبين له خطأه بعد الفراغ من أدائها ، ولا إعادة عليه . ولكن إذا تبين له الخطأ أثناء الصلاة استدار إلى القبلة الصحيحة دون أن يقطع صلاته ، وذلك لاستدارة الرسول – صلى الله عليه وسلم – من اتجاه بيت المقدس إلى اتجاه مكة حين جاءه الوحي بذلك في قباء واستدار المصلون من ورائه . ولا يسقط شرط التوجه إلى القبلة إلا في صلاة النافلة للراكب وصلاة كل من المكره ، والمريض والخائف. من كل ذلك يتضح وجه الإعجاز التشريعي في تحديد قبلة المسلمين إلى الكعبة المشرفة ، فالحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على نعمة القرآن ، والحمد لله على بعثة خير الأنام ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .