news-details
الحج

من فضائل الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة وعلى رأسها يوم عرفة

من فضائل الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة وعلى رأسها يوم عرفة

بقلم الأستاذ الدكتور / زغلول راغب محمد النجار

مقدمة :

في اليوم التاسع من ذي الحجة يتحرك الحجاج من منى إلى عرفات بعد طلوع الشمس، ويتم ذلك مع التكبير والتهليل والتلبية، والوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، ويبتدئ من وقت الزوال إلى طلوع فجر اليوم العاشر.

ويكفي في ذلك  الوقوف فى  أي جزء من هذا الوقت نهارا أو ليلا، إلا أأنه إذا وقف الحاج  بالنهار وجب عليه مد الوقوف  اإلى ما بعد الغروب، ويقصد بالوقوف بعرفة مجرد التواجد فيها. وينبغي في هذا الموقف المحافظة على الطهارة الكاملة واستقبال القبلة، والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء، مع الالتزام بآداب الدعاء (ومنها الوقوف أثناء النطق بالدعاء، ورفع اليدين، وحفظ كل من اللسان والسمع والبصر لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له").

وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن صوم يوم عرفة بالنسبة للحجاج، ورغب في صومه لغيرهم.  

أولا : لمحات من أفضال يوم عرفة:

عن أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول- وهو العليم الخبير بكل شيء- : ما أراد هؤلاء؟".

وعن أنس (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إن الله تكفل على أهل عرفات، يباهي بهم الملائكة. يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا، غبرا، أقبلوا يضربون إلى من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني، غير التبعات التي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جمع (المزدلفة) ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله يقول (تعالى): يا ملائكتي، عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنهم جميع ما سألني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم".  

وقال (صلى الله عليه وسلم): "ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال:" أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة"..

وأقسم ربنا (تبارك وتعالى) بيوم عرفة وذلك في قوله (تعالى) :

(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ* وَالْيَوْمِ المَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ*)    (البروج: 1-3).                                                         ورُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "اليوم الموعود هو يوم القيامة، واليوم المشهود هو يوم عرفة، والشاهد هو يوم الجمعة ".

وقال (صلى الله عليه وسلم): "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة. وإنه (تعالى) ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة......".

وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال: "إن يوم عرفة هو الوتر الذي أقسم به الله تعالى في قوله: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ*) (الفجر:1-3).

فالشفع هو يوم الأضحى والوتر هو يوم عرفة..

قال (صلى الله عليه وسلم): "أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير".

ويوم عرفة هو اليوم الذي أخذ الله (تعالى) فيه الميثاق على ذرية آدم وهم في صلبه، وفى ذلك قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف:172).

وفي تفسير هذه الآية الكريمة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. .،

ويوم عرفة هو اليوم الذى نزل فيه قول ربنا (تبارك وتعالى) الذى يقول فيه

(...اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً...*)

(المائدة : 3).  

فقد جاء عن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) أن يهوديا قال له : يا أمير المؤمنين ! آية فى كتابكم تقرأونها، لو علينا - معشر اليهود – نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال أمير المؤمنين عمر :  وأى آية هى؟ فذكر اليهودى هذه الآية ( المائدة: 3) فقال عمر (رضى الله عنه) : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذى نزلت فيه على النبى وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

من هنا كان فضل صوم يوم عرفة لغير الحاج، انصياعا لنصيحة  رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين  سُئل عن  صيام يوم عرفة ؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية". وفي رواية أخرى أنه قال:"وصيام يوم عرفة : إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله.

 

ثانيا: لمحات من أفضال الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  أنه قال : "ما من أيام أفضل عند الله من عشر ذي الحجة" فقال رجل: يا رسول الله ! هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ فقال (صلى الله عليه وسلم) : "هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله إلا عفيرا يعفر وجهه في التراب. وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله (تبارك وتعالى) إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: أنظروا إلى عبادي شعثا، غبرا، ضاحين، جاؤوا .من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة. ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم...

وقال (صلى الله عليه وسلم) : "ما من أيام الدنيا أيام أحب إلى الله (سبحانه وتعالى) أن يتعبد له فيها من أيام العشر، وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة، وليلة فيها بليلة القدر.

 

من أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة:

1- بالنسبة للحاج: 

يقضي الحاج هذه الأيام العشر في عبادة متصلة تبدأ بالإحرام من الميقات، ثم طواف القدوم والسعي بين الصفا والمروة، ثم النفرة إلى (منى) في صبيحة الثامن من ذي الحجة والمبيت بها استعدادا للتحرك إلى عرفات والوقوف بها نهار التاسع من ذي الحجة في عبادة متصلة إلى ما بعد غروب الشمس، ثم التحرك إلى المزدلفة والمبيت بها إلى ما بعد فجر العاشر من ذي الحجة، ثم التحرك إلى (منى) والمبيت بها ليومين أو لثلاثة أيام (أيام التشريق) حيث يتم رمى جمرة العقبة الكبرى، ثم  أداء صلاة عيد الأضحى، وهى سنة مؤكدة، ثم  النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة. وفى اليومين التاليين يتم رمى الجمرات الثلاث، بدءا من  الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى.

2- بالنسبة لغير الحاج:

- الحرص على أداء الصلاة المفروضة على وقتها مع نوافلها.

- الحرص على الصيام، خاصة صيام  يوم عرفة.

- الحرص على تلاوة القرآن الكريم، وعلى الذكر( بأنواعه ومنه التكبير والتهليل والإستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي والصلاة على رسول الله).

- تقوى الله (عز وجل) في السر والعلن، مع الحرص على بر الوالدين وصلة الأرحام.

- الحرص على أعمال الخير وذلك بالإكثار من الصدقات والبذل في سبيل الله.

- الحرص على الصحبة الصالحة، وعلى التفقه في الدين، وعلى تعظيم كل ما عظمه الله، مع تذكر لكل من حتمية الموت، والحساب والجزاء المفضى إلى الخلود إما فى جنات النعيم، وإما فى نيران الجحيم.

 

وصف صلاة عيد الأضحى : 

هذه الصلاة سنة مؤكدة، تصلى جماعة بعد طلوع الشمس بحوالى عشرين دقيقة، وهى ركعتان، يجهرفيهما الإمام بالقراءة بعد كل من تكبيرة الإحرام ودعاء التوجه، ثم يكبر سبع تكبيرات، مع رفع اليدين إلى حذو المنكبين فى كل تكبيرة، والفصل بين كل تكبيرتين منها  بقدر قراءة آية يسبح فيها الله، ويحمده ويكبره، وفى الركعة الثانية يختصر عدد التكبيرات إلى خمس، بعد تكبيرة القيام.

 

عن علاقة العشر من ذى الحجة بالعشر من رمضان:

جاء فى القرآن الكريم أن ربنا ( تبارك وتعالى ) فضل بعض الرسل وبعض النبيين على بعض فقال (عز من قائل):

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...*)      (البقرة :253).

وقال: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ...*)    (الإسراء:55).

وبالمقابل فإنه ( تعالى) فضل بعض الأماكن على بعض، كما فضل بعض الأزمنة على بعض. فمن تفضيل الأماكن جعل الله (تعالى) الحرم المكي الشريف أفضل بقاع الأرض، يليه في الكرامة الحرم النبوي بالمدينة، ويأتي بعد ذلك المسجد الأقصى السليب، والذى نطمع أن يمكننا ربنا من تحريره عاجلاً غير آجل ..

ومن تكريم الأزمنة جعل الله (تعالى) يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، كما جعل شهر رمضان أفضل شهور السنة، وجعل الليالي العشر الأخيرة منه أفضل عشرة ليال في السنة، وجعل أشرفها  على الإطلاق ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

وفي المقابل جعل ربنا ( تبارك وتعالى) الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة (بمعنى النهار) أفضل عشرة أيام فى  السنة، وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه خير يوم طلعت عليه الشمس.  

ولكن هذا الإستنتاج  يتعارض مع قول منسوب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى تفسير مطلع سورة الفجر جاء فيه: " إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر".

وقد أدى  هذا الحديث إلى اختلاف بين المفسرين، فمنهم من التزم بنص الحديث، وأكد أن الليالي العشر المذكورة في مطلع سورة الفجر هي العشرة أيام الأولى من شهر ذي الحجة، ومنهم من نادى بأن المقصود من ذلك هي العشرة ليالى الأواخر من شهر رمضان، ومنهم من قال بأن المقصود هى العشر الأوائل من رمضان، كما جاء القول بأن المقصود بها هى الليالي العشر المنيرة من كل شهر قمري .

ومن أجل إزالة هذا الإختلاف بين فهم المفسرين لدلالة الآيات الثلاث فى مطلع سورة الفجر قام ابن كثير(رحمه الله) بمراجعة الحديث المنسوب إلى رسول الله، والشارح لمعنى تلك الآيات وكتب ما يلى: "وهذا(يعنى الحديث) إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندى أن المتن فى  رفعه نكارة، والله أعلم" (تفسير ابن كثير: 4/  506)..

فعن جابر أن رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) قال: "...الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة" بينما قال بعض المفسرين غير ذلك. فمنهم من نادى بأن المقصود بالشفع هما اليومان بعد يوم النحر، والوتر اليوم الثالث، وقال آخرون يقصد بالوتر الله (تعالى) وبالشفع الخلق كله. ومن المفسرين من قال أن المقصود بالشفع والوتر هو الصلاة المكتوبة، وبعضها شفع والبعض الآخر وتر..

   وفى غيبة تفسير صريح من رسول الله  لتلك الآيات الثلاث لابد من الإجتهاد، ومن ذلك الإجتهاد يتضح أن المقصود بهذا النص القرآني الكريم هي الليالى العشر الأواخر من شهر رمضان، لأن العبادة في هذا الشهر الفضيل أغلبها عبادة ليلية، على الرغم من أن الصيام يكون بالنهار، وفي المقابل نجد أن العبادة في أيام الحج أغلبها عبادة نهارية، وإن دخل الليل في أجزاء منها، ويدعم ذلك تسمية  "الليالى العشر" فى مطلع سورة الفجر، وتسمية  "ليلة القدر في مقابلة يوم عرفة" فى كل من القرآن والسنة، ويقوى ذلك عندى ما ذكره ابن كثيربقوله.

من هذا الاستعراض يتضح لنا ضرورة إعادة دراسة الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بهذه القضية، فإن ثبتت صحتها، فلا مجال للاجتهاد مع النص، وإن ثبت غير ذلك فلا بد من الاجتهاد الذي يفرق بين نشاطات كل من الليل والنهار.