news-details
مقالات هامة

ضرورة توظيف كل من الدلالات اللغوية والعلمية المحددة للكلمة في القرآن الكريم

أصبحت ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات العالم أمرا لازما في زماننا الراهن الذي تقاربت فيه المسافات وتطورت وسائل الاتصال والمواصلات, وتقابلت مختلف المعتقدات والثقافات كما لم يحدث ذلك من قبل . والترجمة الحرفية لنص القرآن الكريم أمر مستحيل لاتصاف هذا الكتاب العزيز بأعلى درجات الشمول والكمال, وأعلى صور البلاغة وحسن البيان . هذا بالإضافة إلى سعة اللغة العربية وغناها, وضيق اللغات الأخرى وفقرها, فقد ثبت أن باللغة العربية ستة عشر ألف جذر لغوي, بينما لا يتعدى ذلك في اللغة اللاتينية –على سبيل المثال- سبعمائة جذر لغوي. ويضاف إلى سعة اللغة العربية وتعدد جذورها سعة كل من التفعيل, والاشتقاق, والتركيب فيها بصورة لا نظير لها في لغة أخرى. ولا غرو في ذلك فقد ثبت أن اللغة العربية هي أصل كل اللغات المنطوقة والمكتوبة في مختلف جنبات الأرض, والتي يتراوح عددها اليوم بين خمسة آلاف وستة آلاف لغة ولهجة, والفرع لا يمكن له أن يضاهي الأصل أبدا (د. تحية عبد العزيز إسماعيل) في كتاب "عالم الأسرار" للدكتور مصطفى محمود. ولذلك فلا بد من التسليم بأن القرآن الكريم لا يمكن ترجمته إلى لغة أخرى, ولكن لما كانت الترجمة وسيلة من وسائل التعريف بالوحي الإلهي الخاتم وجب القيام بها إبلاغا عن كتاب الله لمن لا يعرف اللغة العربية. والغالب المقبول في هذه الحالة هو ترجمة معاني هذا القرآن الكريم بمعناه لا بحرفية نصه, وهو ما يعرف باسم (الترجمة التفسيرية أو المعنوية) والتي تنصب على فهم معنى الآية أولا, ثم نقل المعنى المفهوم إلى اللغة الأخرى من أجل تحقيق بيان المراد من النص القرآني بالقدر المستطاع من الدقة. وانطلاقا من ذلك فإن على المترجم لمعاني القرآن الكريم أن يتوخى الدقة المتناهية في نقل دلالة النص العربي إلى اللغة الأخرى, وهذا ما يجعل التراجم لمعاني القرآن الكريم شيئا قريبا من التفسير وليس ترجمة حرفية للنص العربي . فالكلمة العربية قد تحمل عددا من المعاني, ولكنها لا تستخدم في موضع من كتاب الله إلا وأن يكون المقصود منها هو معنى واحدا محددا, يفهم من سياق الآية القرآنية. وتتضح هذه الحالة أكثر ما تتضح في الإشارات القرآنية إلى الكون ومكوناته وظواهره, وإلى الإنسان وإلى غيره من الأحياء. وترجمة النص القرآني في هذه الحالة يتطلب دقة متناهية من أجل تحديد المعنى المراد من الكلمة في الآية القرآنية قبل البدء بترجمتها إلى لغة أخرى. وهذا الأمر لم يفطن له كثير من المترجمين الذين استخدموا معنى واحدا للكلمة متعددة المعاني في كل القرآن الكريم, دون الدخول في تفاصيل دلالاتها المحددة في كل آية. وعلى ذلك فإن أفضل السبل لمعرفة المعاني المتعددة للكلمة القرآنية الواحدة هو جمع دلالاتها في معاجم اللغة العربية, ثم استعراض ذلك مع مرات ورودها في القرآن الكريم, حتى تفهم دلالتها المحددة في كل آية, قبل البدء في ترجمة معناها. ولتوضيح ذلك نورد هنا بعض الدلالات اللغوية والعلمية لكلمتي "الأرض" و "السماء" في القرآن الكريم لإثبات أهمية تحديد تلك الدلالات للكلمة في مواقعها المختلفة من كتاب الله. وهذا مجرد نموذج يمكن تطبيقه على العديد من الفاظ هذا الكتاب العزيز , تأكيدا على ضرورة توظيف كل من الدلالات اللغوية والعلمية للكلمة في القرآن الكريم قبل محاولة نقل معناها إلى لغة أخرى.

news-details