news-details
الإعجاز و التاريخ

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ( (سورة القمر  33)

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ( (سورة القمر  33)

من أسرار القرآن

مقالات جريدة الأهرام المصرية

بقلم الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار

 

       هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل النصف الثاني من سورة "القمر"،‏ وهي سورة مكية،‏ وآياتها خمس وخمسون‏(55)‏ بعد البسملة،‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في مطلعها إلى معجزة انشقاق القمر التي أجراها ربنا -تبارك وتعالى- على يدي خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم- شهادة له بالنبوة وبالرسالة في وجه عناد كفار ومشركي قريش وتشكيكهم في ذلك‏.‏
       هذا، وقد سبق لنا استعراض سورة "القمر" وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات العلمية والتاريخية،‏ ونركز هنا على جوانب الإعجاز العلمي والتاريخي في قصة نبي الله لوط -عليه السلام- مع قومه كما جاءت في القرآن الكريم‏.‏
       جاء ذكر نبي الله لوط -عليه السلام- وقومه في القرآن الكريم‏28 مرة؛ في سور:"الأنعام"،‏ "الأعراف"،‏ "هود"،"الحجر"،‏ "الأنبياء"،‏ "الحج"،‏ "الشعراء"،‏ "النمل"،‏ "العنكبوت"،‏ "الصافات"،‏ "ق"،‏ "الذاريات"،‏ "القمر"،‏ و"التحريم"‏.‏
       ويروي لنا القرآن الكريم أن نبي الله لوط -عليه السلام- آمن مع عمه أبو الأنبياء إبراهيم -على نبينا وعليه من الله السلام- وهاجر معه إلى أرض فلسطين؛ لأن الله -تعالى- كان قد بعثه إلى أهل سدوم وعامورة وما حولهما من القرى التي عرفت فيما بعد باسم قرى قوم لوط، وتقع في وادٍ يكون الحدود الجنوبية للبحر الميت،‏ وكان أهل تلك القرى قد ساءت أخلاقهم وسلوكياتهم إلى مستوى من التدني غير المسبوق في تاريخ الإنسانية؛ فقد كانوا من أفجر الناس،‏ وأكفرهم بالله،‏ وأسوئهم طوية،‏ وأردئهم سريرة،‏ وسلوكا،‏ وسيرة‏.‏ كانوا يقطعون الطريق ويأتون في ناديهم المنكر،‏ ولا يتناهون عن منكر فعلوه،‏ وكانوا قد ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من الخلق،‏ وهي المماثلة في العلاقات الجنسية التي لم يقترفها إنسان من قبل،‏ ولم يتدن إليها أي من الحيوانات حتى اليوم،‏ وإلى قيام الساعة،‏ وجاءهم نبي الله لوط -عليه السلام- يدعوهم إلى الإيمان بالله -تعالى- وحده،‏ وبالتطهر من أرجاس سلوكياتهم المنحطة،‏ وينهاهم عن الفواحش،‏ والمنكرات،‏ والقبائح التي كانوا قد ابتدعوها،‏ والمآثم التي كانوا قد وقعوا فيها،‏ والجرائم التي كانوا قد اقترفوها،‏ والمحارم التي كانوا قد تعدوا عليها‏، فلم يستمعوا لنصحه،‏ ولم يستجيبوا لدعوته،‏ بل هموا بإخراجه من قراهم ونفيه بعيدا عنها،‏ فأخرجه الله -تعالى- من بين أظهرهم سالما هو وبعض أهله،‏ وأهلك قومه الكفرة الفجرة،‏ والسفهاء الأغبياء والمفسدين في الأرض،‏ وأذلهم إذلال الصاغرين المهانين، وفي ذلك يقول ربنا -تبارك وتعالى- في محكم كتابه‏:‏

(1) (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ *وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْمِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف: 80: 84].

(2) (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ *  قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 77: 83].

(3) (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ * فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 57: 77].

(4) (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [الأنبياء: 74، 75].

(5) (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسَأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 160: 175].

(6) (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) [النمل: 54: 58].

(7) (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 28: 35].

(8) (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الصافات: 133: 138].

(9) (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [الذاريات: 31: 37].

(10) (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ *وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 33: 40].

       وجاء في الأثر أن جبريل -عليه السلام- خرج على قوم لوط،‏ فضرب وجوههم بطرف جناحه فطمست أعينهم فرجعوا يتحسسون الطريق مع حيطان المباني،‏ ويتوعدون نبي الله لوط -عليه السلام- بالويل والثبور وبعظائم الأمور‏.‏


من جوانب الإعجاز التاريخي والعلمي في رواية القرآن الكريم لقصة نبي الله لوط -عليه السلام- مع قومه:
أولا: من الإعجاز التاريخي للرواية القرآنية:

(1) جاء القرآن الكريم بقدر هائل من الدقة الفائقة التي عرض بها الجانب التاريخي للقصة،‏ وكان قد انقضي على وقوعها أكثر من ألفي سنة قبل ميلاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏ وورودها في القرآن الكريم بهذه التفاصيل الدقيقة هو من المعجزات التاريخية في كتاب الله،‏ وإن قال قائل بأن القصة لها ذكر في كتب الأولين فهذا تأكيد على وحدة رسالة السماء‏.‏


ثانيا‏:‏ من الإعجاز العلمي في الرواية القرآنية‏:
أ- استنكار المماثلة في العلاقات الجنسية وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عنها وانحطاط بالإنسان إلى مادون الحيوانية،‏ وقد أثبت التاريخ أن قوم لوط كانوا أول من ابتدع هذا الانحراف عن الفطرة السوية، وأثبتت دراسات الطب والطب النفسي خطورته الصحية والنفسية على كل من الفرد،‏ والأسرة،‏ والمجتمع؛ ولذلك روى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" ‏(‏الترمذي‏، وأبو داود‏).‏
ب- أثبتت دراسات علوم الأرض أن طبقات الصخور في منطقة جنوب البحر الميت مقلوبة رأسا على عقب حسب ماجاء في النص القرآني الذي يقول فيه ربنا -تبارك وتعالى-  (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82، 83].

ج- جاء في سورة "العنكبوت" النص التالي‏:"ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون‏"‏ [العنكبوت‏:35] وجاء في سورة "الذاريات" قول ربنا -تبارك وتعالى-‏:‏ "وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم"‏ [الذاريات‏:37‏] ومنطقة قرى قوم لوط مليئة بالآثار الدالة على ما وقع بهؤلاء الكافرين من العذاب الذي أنزله عليهم رب العالمين‏.‏
      من هنا جاء التأكيد القرآني بقول ربنا -تبارك وتعالى-"كذبت قوم لوط بالنذر"‏ [القمر‏:33] وفيه من الحق مايلي‏:‏
‏1‏- التأكيد التاريخي للواقعة،‏ وكان قد انقضى على وقوعها أكثر من ألفي عام قبل ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏2‏- إثبات تدمير قرى قوم لوط بجعل عاليها سافلها‏.‏
‏3‏- تحريم عملية المماثلة في العلاقات الجنسية تحريما قاطعا؛ لأضرارها الصحية والنفسية على الناس أفرادا ومجتمعات، مما حدا بعدد من أئمة المسلمين من أمثال الشافعي وأحمد بن حنبل إلى الحكم بقتل الشاذ جنسيا استنادا إلى مارواه ابن عباس -عليهما رضوان الله-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"‏.(أخرجه كل من الإمامين أبو داود‏/4462‏ والترمذي‏/1416).‏
      ولا يمكن الحد من فوضى الشذوذ الجنسي الذي يجتاح عالم اليوم إلا بتطبيق هذا الحد،‏ بعد أن استمرأ كثير من الشواذ هذا السلوك المهدر لإنسانية وكرامة الإنسان،‏ وبدأت أعداد من الحكومات في التشريع له،‏ والدفاع عنه،‏ والتشجيع عليه بدعوى باطلة بأنه أمر وراثي،‏ وينفي ذلك نفيا قاطعا أن قوم لوط كانوا هم أول من ابتدعوه،‏ وأن البشرية عاشت من قبلهم آلافا من السنين دون الوقوع في هذه الفاحشة الشنعاء‏.‏
      فالحمد لله على نعمة القرآن الكريم،‏ والحمد لله على نعمة الإسلام العظيم،‏ والحمد لله على بعثة إمام الأنبياء والمرسلين،‏ وخاتمهم أجمعين،‏ سيدنا محمد بن عبدالله،‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين،‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.