news-details
الإعجاز و التاريخ

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) سورة الإسراء: ‏4

من أسرار القرآن

مقالات جريدة الأهرام المصرية

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) سورة الإسراء: ‏4 

بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل سورة الإسراء‏،‏ وهي سورة مكية‏،‏ وآياتها‏(111) بعد البسملة‏،‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في الآيات الأولى منها إلى رحلة الإسراء والمعراج التي كرم الله -تعالى- بها خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد‏.‏

ويدور المحور الرئيس لسورة الإسراء حول قضية العقيدة الإسلامية -شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏-‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الإسراء، وما أوردته من ركائز العقيدة الإسلامية‏،‏ وما جاء بها من تشريعات تعبدية وأخلاقية وسلوكية‏،‏ وقيم روحية‏،‏ وإشارات كونية وتاريخية‏، وأُركز هنا على ما جاء في الآية الرابعة من هذه السورة المباركة من وصف دقيق للدخائل النفسية التي جمعها القرآن الكريم تحت مصطلح بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض‏،‏ وقبل الوصول إلى ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين في تفسيرقوله -تعالى-‏:‏ (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ‏[‏الإسراء‏:4]:

ذكر ابن كثير‏ -رحمه الله‏- ما مختصره‏:‏ يخبر -تعالى- أنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب‏،‏ أي تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم، أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوًّا كبيرًا،‏ أي يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس‏.(انتهى قول المفسر)

وجاء في الظلال‏ -رحم الله كاتبه برحمته الواسعة- ما مختصره‏:‏ وهذا القضاء إخبار من الله -تعالى- لهم بما سيكون منهم‏‏ حسب ما وقع في علمه الإلهي من مآلهم،‏ لا أنه قضاء قهري عليهم‏،‏ تنشأ عنه أفعالهم‏،‏ فالله -سبحانه- لا يقضي بالإفساد على أحد (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ...‏)  [الأعراف:28]، إنما يعلم الله ما سيكون علمه بما هو كائن‏،‏ فما سيكون -بالقياس إلى علم الله- كائن‏،‏ وإن كان بالقياس إلى علم البشر لم يكن بعد‏،‏ ولم يكشف عنه الستار‏.

ولقد قضى الله لبني إسرائيل في الكتاب الذي آتاه لموسى أنهم سيفسدون في الأرض مرتين‏،‏ وأنهم سيعلون في الأرض المقدسة ويسيطرون، وكلما ارتفعوا فاتخذوا الارتفاع وسيلة للإفساد سلط الله -تعالى- عليهم من عباده من يقهرهم ويستبيح حرماتهم ويدمرهم تدميرًا. (انتهى قول المفسر)

وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن -رحمه الله- ما نصه‏: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ...) أوحينا إليهم‏،‏ بمعنى أعلمناهم وأخبرناهم في التوراة بما سيقع منهم من الفساد مرتين في أرض الشام، قيل‏:‏ الأولى‏تغيير التوراة وعدم العمل بها‏،‏ وحبس إرمياء وجرحه‏؛ إذ بشرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-‏‏، والأخرى قتل زكريا ويحيى -عليهما السلام‏-‏ وقال الجبائي‏:‏ إنه -تعالى- لم يبين ذلك، فلا يُقطع فيه بخبر‏.‏ وقوله تعالى‏: (لَتُفْسِدُنّ جواب قسم محذوف‏. (... وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا أي لتتكبرن عن طاعة الله، أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان‏،‏ وتفرطن في ذلك إفراطًا مجاوزًا للحد‏.‏ (انتهى قول المفسر)

من الدلالات الإنبائية في الآية الكريمة:

أولًا‏:‏ في قوله -تعالى-‏:‏ (وَقَضَيْنَا ...

(‏القضاء‏)‏ في اللغة العربية هو الحكم، وجمعه‏ (‏الأَقْضِيَة‏). و‏(‏قَضَى‏) (‏يَقْضِي‏) (‏قَضَاءً‏)‏ أي حكم وأمر وأعلم بالحكم والفصل فيه‏،‏ ومعناه فصل الأمر قولًا كان أو فعلًا‏،‏ وقد يكون‏ (‏القضاء‏)‏ بمعنى الصنع والتقدير والإبداع والفراغ من كل ذلك‏.‏ و‏(‏قَضَى)‏ الدَّيْنَ بمعنى فصل الأمر فيه بِردِّه‏،‏ و‏(‏الاقْتِضَاء‏)‏ المطالبة بقضائه‏.‏ و‏(‏القَضَاءُ‏)‏ من الله -تعالى- أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير‏،‏ فالقدر هو التقدير‏، و(‏القضاء‏)‏ هو الفصل والقطع فيما قُدِّر‏،‏ والقدر ما لم يكن ‏(قَضَاءً‏)‏ فمرجو أن يدفعه الله‏،‏ ولكن إذا‏ (‏قَضَى‏)‏ فلا دافع له‏،‏ ولا يمكن تلافيه‏.‏
والفعل ‏(‏قَضَينَا‏)‏ في الآية الكريمة التي نحن بصددها هو بمعنى الإخبار، وليس بمعنى الإجبار‏،‏ فهو من علم الله -تعالى- وهو علم شمولي محيط بكل شيء،‏ الماضي والحاضر والمستقبل‏،‏ فكل ذلك عنده -سبحانه وتعالى- حاضر‏؛ لأن الزمن من خلقه‏،‏ والخالق محيط بخلقه، والمخلوق لا يحد خالقه أبدًا،‏ فالمستقبل بالنسبة للإنسان لم يكن بعد‏،‏ وهو في علم الله الخالق البارئ المصور كائن قائم مشهود‏، ولذلك علم الله -تعالى- بعلمه المحيط أن بني إسرائيل سوف يفسدون في الأرض مرتين‏،‏ وأنهم سوف يعلون ويتجبرون على شعب الأرض المقدسة‏،‏ وكلما بالغوا في تجاوزاتهم سلط الله -سبحانه وتعالى- عليهم من عباده من يذيقهم سوء العذاب بقهرهم‏،‏ وإذلالهم‏،‏ وتدميرهم‏،‏ واستباحة جميع حرماتهم‏.‏

وكان هذا القضاء الإلهي في التوراة التي آتاها الله -تعالى- عبده ورسوله إليهم موسى -على نبينا وعليه من الله السلام- وإن رأى بعض المفسرين أن المقصود بالكتاب في هذه الآية الكريمة هو اللوح المحفوظ‏،‏ وكلاهما يشير إلى علم الله المحيط بكل شيء.‏

 

ثانيًا:‏ في قوله -تعالى-‏:‏ (... إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ...‏

(‏إسرائيل‏)‏ هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- ومعنى اسمه هو عبد الله‏،‏ ولا يُعرف من تاريخه سوى أنه وُلِدَ في زمن جده الخليل‏،‏ وكانت وفاته بمصر عند ولده يوسف -عليه السلام‏-‏ وأنه أبو الأسباط‏،‏ ومن هنا سُمي نسله باسم بني إسرائيل، وأنه أقام بمصر أربعًا وعشرين سنة‏،‏ فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يدفنه عند أبيه إسحاق في أرض فلسطين‏،‏ وقد نفذ يوسف الوصية بذلك، ونقل جثمانه في تابوت من مصر إلى أرض فلسطين‏.‏

ويخطئ من يتصور أن يهود اليوم هم كلهم من نسل يعقوب -عليه السلام-؛ لأن اليهودية كأحد الأديان السماوية قبله أفراد من أعراق متعددة‏،‏ وأن الادعاء بنقاء العرق اليهودي هو ادعاء كاذب ينكره علم الأجناس‏،‏ كما ينكره وجود أعراق يهودية متعددة اليوم‏.

ويشكل يهود الخزر‏ -‏وهم يهود روسيا وأوروبا الشرقية‏-‏ أكثر من‏92%‏ من مجموع يهود اليوم‏،‏ والخزر شعب وثني قديم‏،‏ تركي مغولي تتري الأصل، عاش في المنطقة بين وادي الفولجا ووادي الدانوب والبحرين الأسود وقزوين‏،‏ ولا علاقة له بالمنطقة العربية ولا بالأصول السامية،‏ وقد أقام هذا الشعبُ في الفترة مابين القرنين الثاني والعاشر الميلاديين مملكةً وثنيةً حول بحر قزوين عُرفت باسم مملكة الخزر،‏ شقت طريقها إلى أوروبا الشرقية عبر سلسلة من الحروب الدموية استمرت لعدة قرون‏.‏

وفي منتصف القرن الثامن الميلادي ‏(‏سنة‏740‏م‏)‏ وصل إلى مملكة الخزر عدد من حاخامات اليهود الذين ساوموا ملك الخزر -وكان اسمه الملك بولان‏ (Bulan)‏- على قبول اليهودية دينًا فتهوَّد‏،‏ وأجبر أهل مملكته على التهوُّد بإعلان اليهودية دينًا رسميًّا للبلاد‏.‏

وفي القرن العاشر الميلادي تمكنت الإمبراطورية الروسية من غزو مملكة الخزر وتدميرها، فهاجر معظم سكانها إلى دول أوروبا الشرقية‏،‏ ومنها رحلوا إلى أوروبا الغربية، ثم إلى الأمريكتين‏،‏ ومَن بقي منهم مثَّلوا يهود الإمبراطورية القيصرية الروسية، وهؤلاء يعرفون باسم الإشكنازيم‏أو السكناج‏ أو يهود أوروبا الشرقية، وهذا مُفصَّل في المرجع التالي‏:
‏Dunlop،D.M..1954:H‏
‏The History of the Jewish Khazars، H.Princeton University Press.‏
‏Koestler، Arthur:‏‏H The Khazars: The Thirteenth Tribe، Its Heritage and Irs Empire

أما اليهود من غير الخزر فيشكلون أقل من ‏8%‏ من مجموع يهود اليوم، وهم يهود آسيا وإفريقيا وبلاد الأندلس، ويعرفون باسم الإسفارديم ‏أو السفاراديم‏،‏ وهذا يبطل الادعاء الكاذب بنقاء العرق اليهودي من الاختلاط بأية أعراق أخرى‏،‏ وبنسبته إلى نبي الله يعقوب -عليه السلام- وهو إدعاء يبطله علم الأجناس كما يبطله التاريخ‏.

من هنا كان التعبير القرآني بني إسرائيل ليس تعبيرًا عرقيًّا؛ لأن القرآن الكريم يؤكد وحدة الجنس البشري وردَّها إلى أب واحد‏،‏ ولكنه وصفٌ لجماعة من الناس لها من الأنانية ما شجعها على الاعتقاد الخاطئ بأنهم وحدهم هم شعب الله المختار‏،‏ وأبناؤه وأحباؤه‏،‏ وأن غيرهم من الخلق عبارة عن حيوانات في هيئة البشر حتى يكونوا في خدمة اليهود‏،‏ وأن الرب هو رب إسرائيل والإسرائيليين فقط‏،‏ وأن الأغيار -‏الأمميين‏- لا ربَّ لهم‏،‏ ومن هنا فإن استباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأراضيهم هي حلال عندهم‏،‏ وهي قربة إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وانطلاقًا من ذلك برع اليهود في التعصب ضد كل من هو غير يهودي‏،‏ وقد أفاض القرآن الكريم في وصف ملامح الشخصية اليهودية، وخصائصها الذاتية، والمقومات النفسية التي صاغت تلك الشخصية المتغطرسة المتجبرة المتكبرة،‏ القاسية القلب‏،‏ المستعلية على الخلق‏ إلى حد الوحشية والهمجية‏،‏ والتفنن في الغدر بالآخرين‏،‏ ونقض العهود والمواثيق‏،‏ والحقد على البشر جميعًا،‏ والحسد لكل نجاح‏،‏ والإصرار على الإفساد في الأرض‏،‏ وعلى إشاعة الفواحش بين الناس‏،‏ وعلى هدم كل قيمة أخلاقية وكل فضيلة‏؛ ولذلك قاتلوا أنبياء الله وقتلوا بعضهم، وأوقدوا نيران الحروب والفتن على سطح الأرض‏،‏ واستباحوا كل حرمات الآخرين بدعوى أنهم شعب الله المختار وأبناء الله وأحباؤه، وهي دعوى باطلة، ولا أساس لها من الصحة‏، ولذلك قال ربنا -تبارك وتعالى-‏: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [‏الإسراء‏:4].

ثالثًا:‏ في قوله -تعالى-:‏(... لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًا كَبِيرًا ...‏:‏

اختلف المفسرون في تحديد مَرَّتَي الإفساد الذي قام به بنو إسرائيل في الأرض‏،‏ ولكن الراجح أن هاتين المرتين هما من أبشع ما قاموا به من إفساد‏؛ لأن الإفساد في الأرض أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينهم النفسي والعقدي، ولذلك قال ربنا -تبارك وتعالى- بعد ذلك‏ (...‏ وإن عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)  (الإسراء:8).

والراجح عند المفسرين أن المرة الأولى من الإفساد الكبير لبني إسرائيل في الأرض كانت في المدينة المنورة؛ حين عادى اليهود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورفضوا دعوته إلى دين الله‏،‏ وتآمروا عليه‏،‏ ونقضوا كل عهودهم معه‏،‏ وتعاونوا مع الوثنيين من أعدائه عليه‏،‏ وألَّبوا عليه القبائل‏،‏ وحاولوا سَمَّه وقتله‏،‏ ولكن الله -تعالى- نجاه من كيدهم، ونصره عليهم بعد أن تكررت خياناتهم على أيدي كلٍّ من يهود بني قينقاع‏،‏ ويهود بني النضير‏،‏ وبني قريظة‏،‏ ويهود خيبر، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإجلائهم عن جزيرة العرب إجلاءً كاملًا، فتطهرت الأرض من أرجاسهم‏.

وكان الإفساد الكبير الثاني لليهود في الأرض قد بدأ بالتآمر على أرض فلسطين بدءًا من سنة ‏1649‏م؛ حين أقاموا في بريطانيا حركة صليبية صهيونية تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين بعد طردهم منها قبل ألف وستمائة سنة‏،‏ ومن أجل ذلك خططوا لإسقاط دولة الخلافة الإسلامية بعد إنهاكها في سلسلة من المعارك التي لم تتوقف‏،‏ وقسموا تركتها إلى أكثر من‏57‏ دولة ودويلة‏،‏ وخططوا لاحتلال هذه الدول والدويلات بواسطة الدول الغربية والشرقية المختلفة، ودعوا في سنة‏1799‏م‏ للهجرة إلى فلسطين، وتمكنوا من امتلاك أول قطعة أرض في فلسطين سنة ‏1854‏م‏ بواسطة الضغوط الدولية‏،‏ ثم أنشؤوا الاتحاد الإسرائيلي العالمي في فرنسا سنة‏ 1860‏م‏، ومن خلال القوى المحتلة لقلب العالم العربي بدأت هجرة اليهود سرًّا إلى أرض فلسطين‏.‏

في سنة‏1895‏م‏‏ أصدر النمساوي اليهودي هيرتزل كتابًا بعنوان دولة اليهود‏،‏ وعقد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في سنة ‏1897‏م، وتلته عدة مؤتمرات إلى اليوم، ومن خلال هذه المؤتمرات أشعل اليهود الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسعوا إلى إعلان بريطانيا وعد بلفور في سنة‏1917‏م، وأسسوا الثورة الشيوعية في روسيا في السنة نفسها‏.‏

وتحت مظلة الانتداب البريطاني على أرض فلسطين تم التخطيط لتمكين يهود العالم من هذه الأرض المباركة‏، التي ملؤوها فسادًا ومؤامراتٍ خفيةً ومعلنةً، حتى تم إسقاط دولة الخلافة الإسلامية في سنة‏ 1924‏م‏،‏ وتم إعلان دولة للصهاينة في سنة ‏1948‏م‏،‏ وقامت أربعة حروب طاحنة في المنطقة راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء في عدد من المذابح البشعة‏،‏ ونتج عنها من الدمار ما دفع بالمنطقة إلى الوراء لعشرات السنين‏.‏

وظل الضغط الدولي على حكومات المنطقة حتى سلمت بالأمر الواقع، وقبلت بوجود كيان صهيوني غريب في قلب المنطقة العربية‏،‏ وتركت هذا الكيان ينمو عسكريًّا حتى أصبح خلية سرطانية مدمرة تهدد المنطقة بأسرها بالدمار الشامل‏،‏ وما حدث على أرض فلسطين طوال القرن الماضي وتجسد في الأسابيع القليلة الماضية‏،‏ والاجتياح الإسرائيلي لأرض لبنان الشقيق في هجمة تدميرية همجية شاملة في استعلاء وكبر وغطرسة فاقت كل الحدود، هو تجسيد لقول ربنا من قبل ألف وأربعمائة سنة‏:‏

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًا كَبِيرًا* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا* إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا* عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)  ‏[‏الإسراء‏:4‏-‏8].‏

هذه الآيات نزلت من قبل ألف وأربعمائة سنة‏،‏ والهمجية الإسرائيلية في قلب المنطقة العربية اليوم، والاستعلاء والكبر الممارسان بلا حدود‏،‏ والغطرسة العسكرية والإحساس بالعلوية الكاذبة، والتدمير الشامل للبنية الأساسية في كلٍّ من فلسطين ولبنان خير شاهد على صدق القرآن الكريم، وعلى أن الوعد الحق قد قرب‏، (... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)  [يوسف:21].‏